كيف نجيب عن إشكالة من يقول: إن علو الله على عرشه يلزم منه أن الله محدود لأن العرش مخلوق ولابد له من حد ؟ حفظ
الشيخ : فأنت بارك الله فيك قلت آنفًا أننا إذا قلنا إن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها ما الذي يلزم؟ أو ما الذي يُشكل أو يرِد ؟
السائل : هو أن المخلوقات محدودة، ولذلك هذا يلزم منه أن الله سبحانه وتعالى سيكون محدودًا .
الشيخ : لماذا ؟
السائل : لأنه جلس على حد.
الشيخ : لا، مَن قال جلس ؟
السائل : علا .
الشيخ : طيب، إذا كان فوق المخلوقات يجب أن لا ننسى الموضوع السابق كله الذي أثبتناه نقلًا وعقلًا، نحن قلنا إن الله على المخلوقات كلها لأنه لابد من واحدة من ثلاث: إما هو فوقها، وإما هي فوقه، وإما هو في جوفها، والصورة أو الاحتمال الثاني والثالث من أبطل الباطل فهو فوقها، لكن لماذا استلزمنا الاستقرار عليها والتمكن منها ؟!
والعلماء قالوا نفيًا لهذه الشبهة التي لا يدل عليها كتاب ولا سنة، ذلك قول ذلك العالم الفاضل -لو تتقدمون قليلًا كما يقولون: " تزاحموا تراحموا "-، قالها أحد العلماء الأفاضل:
" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصف التّمكن واتّصال " ،
فإذن أثبتنا ونزهنا، وهذا هو الشرع: (( ليس كمثلهِ شيءٌ وهو السميع البصير ))، فلو سلّمنا جدلًا بأنه لا يقال إن الله عزوجل مع كل هذه النصوص ومع كل هذا النظر السليم لا يقال إن الله فوق المخلوقات كلها مع اعتقاد أنه هو الغني عن العالمين، فما الذي يقال، نسأل أين الله فما هو الجواب ؟
الجواب: لا فوق لا تحت، لا يمين لا يسار، لا فوق لا تحت، لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلًا به ولا منفصلًا عنه، ذلك هو الضلال الكبير، هذا نقوله.
وأخيرًا: إن الله عز وجل -إذا صح التعبير- نقول: " إن الله غيب الغيوب " أي: غائب عن البصر والمادة والحواس، والله عزوجل جعل في أول سورة البقرة أول صفة المؤمنين قال: (( الذين يؤمنون بالغيب ))، (( ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ))، وإذا كان من صفة المؤمنين الإيمان بالغيب كل الغيب فأول ذلك أن الله عز وجل غاب عن حواسنا وأبصارنا لكن ما غاب عن أفكارنا وعن عقيدتنا، فما الذي ينبغي أن نعتقده في الله عزوجل ما دام أنه الركن الأول بما يدخل في الإيمان بالغيب، لا شك أننا يجب أن نؤمن بكل ما سبق ذكره من الآيات والأحاديث التي تثبت صفة العلو لله عزوجل على خلقه، فإن توهم متوهم وهمًا ما لا يليق بالله عز وجل فعليه أن يصرف هذا الوهم وأن يقف مع التزام كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستسلم للأوهام المجردة عن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وبذلك تبين أننا لم نفهم العقيدة الصحيحة من النصوص إلا أن ذلك يستلزم الاستقرار على الخلق، مع أننا ذكرنا في أثناء البيان أن الله عز وجل هو الغني عن العالمين، فهو الذي يمسك السماوات والأرض أنْ تزولا، فهو ليس بحاجة أن يتمكن منها وأن يستقر عليها، ولكن له صفة العلو، ولذلك نحن نقول: سبحان ربي الأعلى، هذه هي عقيدة الكتاب والسنة وهذه هي عقيدة السلف الصالح وهذه هي عقيدة الأئمة الأربعة كلهم دون خلاف بينهم، لذلك فلماذا يولج المسلم نفسه ويُدخلها في جحر الضب ويُعمل عقله الضيق الصغير ليصادم بذلك النصوص القاطعة الدلالة من الكتاب والسنة على أن الله عزوجل فوق المخلوقات كلها، كيف نفسر ذاك الحديث الواضح الجميل : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ؟!
فبارك الله فيك لا يجوز للمسلم أن يُسلم قيادة فكره وعقله وعقيدته للأوهام، لأن العلماء يقولون بهذه المناسبة: " كل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك "، أما ما جاء في الكتاب والسنة فيجب الإيمان به كما قال الله عز وجل: (( فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيتَ ويُسلّموا تسليمًا )).
الآن خلينا ننتقل قليلًا إلى بعض الأمور التي جاءت بها النصوص.