توضيح الشيخ وبيانه لحال المشركين قبل دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما كانوا يعتقدونه في الله عز وجل وأين كان شركهم. حفظ
السائل : أسأل مسألة في العقيدة.
الشيخ : عقيدة ؟
السائل : نعم، ما رأيك في قول الإمام أبي حنيفة في متن شرح الفقه الأكبر لعلي القارئ ، صفحة 51: " أن الله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق "، نظرًا إلى أن هذا القول إن ثبت عن أبي حنيفة يوافق فيه فقه الأشاعرة في المسألة، وأن أبا حنيفة من السلف بلا خلاف ؟
الشيخ : سؤالك هذا يفتح لي بابًا جديدًا من العلم لابد أن أُذكرك به وأن أُلفت نظرك إليه: الإسلام كما تعلم قال في القرآن الكريم وهذا من مزاياه، أنه حذر المسلمين أن يقعوا في مثل ما وقع الأولون من اليهود والنصارى فقال في حق هؤلاء: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيحَ ابن مريم ))، هذه الآية حين نزلت كان في المجلس رجل عربي من العرب النوادر الذي كان بالتعبير العصري مثقفًا يومئذ غير أُمّي، العرب أُمّيون إلا النادر منهم فهذا كان من هؤلاء النادرين كان مثقفًا، كان متعلمًا، قرأ الكتاب المعروف بالكتاب المقدس الذي يحوي التوراة والإنجيل فوجد التوراة والإنجيل خيرًا مما وجد عليه قومه يعبدون التماثيل والأصنام، وجد هناك شيء من الأخلاق شيء من التشريعات حيث لا يجد شيء من ذلك إطلاقًا في الوثنية الجاهلية فتنصّر، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على نصرانيته جاء وقد علّق الصليب على صدره، فأنكر الرسول عليه السلام ذلك عليه، ثم هداه الله عز وجل وأسلم وحسُن إسلامه، وأخذ يتفقه ويجلس في مجالس الرسول عليه السلام، ذات يوم لما نزلت هذه الآية: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله )) وهو كان من أولئك النصارى، قال: ( يا رسول الله ما اتخناهم أربابًا من دون الله ) فبادر إلى ذهن عَدي بن حاتم رضي الله عنه إلى أن مقصود الآية: يعني اعتقدوا في أحبارهم أنهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون وو إلى آخره، قال: ( ألستم كنتم إذا حرّموا لكم حلالًا حرّمتموه، وإذا حللوا لكم حرامًا حللتموه، قال: أما هذا فقد كان، قال: فذاك اتخاذَكم إياهم أربابًا من دون الله ).
فالمقصود المسلمون حتى اليوم والحمد لله لا يزالون يوجد فيهم من يحافظ على التوحيد بكامله، لأن التوحيد الذي يُستنبط من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يختلف تمامًا عن التوحيد الموجود عند النصارى وعند اليهود بل -وأرجو أن لا يقع ثقيلًا على مسامعك- وحتى بعض المسلمين، التوحيد الذي جاء في القرآن وفي السنة يجهله كثير من المسلمين فضلًا عن أهل الأديان الأخرى، ذلك لأن التوحيد الذي دعت إليه الرسل كلهم دون استثناء أحد منهم هو يعني توحيد الله عز وجل في ذاته أي: لا ندّ له، لا خالق معه، لا رازق معه، وهذا أمر يشترك فيه حتى المشركون، المشركون الذين بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يعتقدون أن الخالق هو واحد، لا نِدّ له في خالقيتِه، ولكنهم مع ذلك وصفوا في عديد من الآيات بأنهم مشركون، وأن الله قال لهم: (( فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون ))، فما هي الأنداد التي جعلوها لله عز وجل وأنكرها الله عليهم مع أنهم كانوا يقولون بصريح القرآن الكريم كما قال عزوجل: (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُن الله )) إذن: خلق السماوات والأرض هم يعتقدون أنه واحد لا شريك له، فإذن أين شركهم ما دام أنهم يُوحدون الله في ذاته؟!
هنا يكمن جهل كل الأديان التي أشرنا إليها آنفاً وبعض الجهلة من المسلمين حيث يفهمون معنى لا إله إلا الله، حتى رأيت بعض الرسائل لبعض المشايخ فسر لا إله إلا الله أي: لا ربّ إلا الله!!!
وهذا تفسير خاطئ جدًّا جدًّا بحيث يترتب منه أن مشركًا يهوديًا كان أو نصرانيًا قال: لا ربّ إلا الله لا يدخل في الإسلام، لأن لا رب إلا الله كان المشركون كما سمعت آنفًا من القرآن يقولون: الخالق واحد، ورب العالمين هو واحد، إذن لماذا بُعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هؤلاء المشركين أن يدعوهم إلى أن يعتقدوا أن خالق السماوات والأرض هو الله وحده لا شريك له ؟!
لا، هذا اسمه تحصيل حاصل، تفهم مني تحصيل حاصل ؟
السائل : نعم.
الشيخ : نعم ؟
السائل : قبل.
الشيخ : أحسنت، يعني شيء كان موجود في قرارة نفوس المشركين هؤلاء.