ما الدليل على وجوب فهم الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح ؟ حفظ
الشيخ : فمن أين نحن أخذنا هذا القيد ؟
أولاً: أخذناه من بعض النصوص من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وثانياً: أخذناه من التاريخ الذي يسجل لنا صلة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم به من جهة، وأنهم كانوا عرباً أقحاحاً هم أقرب إلى فهم الكتاب والسنة من الناحية العربية أكثر من الذين يأتون مِن بعدهم لاسيما إذا كانوا من الأعاجم أمثالنا نحن في هذا الزمان.
فلهذين السببين جاء الحض في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التمسك بما كان عليه هذا السلف الصالح
من ذلك مثلاً قول الله عز وجل: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونُصله جهنم وساءت مصيراً )) الشاهد في هذه الآية أن الله عزوجل يُحذر فيها ليس من مشاققة ومخالفة الرسول فقط، بل ويُحذر أيضاً من اتباع غير سبيل المؤمنين: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونُصله جهنم وساءت مصيراً )) فقد ذكر الله عز وجل هنا سبيل المؤمنين، وحذر من مخالفة سبيلهم إلى سبيل غيرهم من الكافرين أو الضالين.
فالسؤال الذي يرد الآن هو: أن الله عز وجل ما اقتصر في هذه الآية على قوله تعالى: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى )) وإنما عطف على ذلك فقال: (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فما الحكمة من ذلك ؟
الحكمة واضحة جلية والحمد لله ألا وهي: أن هؤلاء المؤمنين هم الذين -كما أشرنا في مطلع كلامنا هذا- هم تلقوا القرآن من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة غضاً طريّاً ثم تلَقّوا منه البيان الذي يحتاجه المسلمون في زمنهم وفيما بعدهم من الأزمان، فإذن لهؤلاء مزية ينفردون بها على المسلمين الذين جاؤوا من بعدهم.
لهذا ذكر الله عز وجل في الآية: (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) معلوم يقيناً عند كل مسلم أن الله عز وجل لا يذكر في كتاب الله حرفاً واحداً عبثاً، حاشاه، فضلاً عن أن يذكر جملة كهذه عبثاً (( ويتبع غير سبيل المؤمنين ))، لو أن الله عزوجل قال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونُصله جهنم وساءت مصيراً، حصل الغرض والحكمة والمعنى الذي يريده الله عزوجل من هذه الآية، ولكنه تبارك وتعالى قصد إلى معنى آخر يُضيفه إلى المعنى الأول وهو أن يُلفت نظر المسلمين في كل مصر وفي كل عصر إلى الاهتمام بسبيل المؤمنين الذين كانوا من قبل وهم بخاصة القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )
فهؤلاء لما كانت لهم هذه المزية نصّ الله عزوجل في تلك الآية على أنه لا يجوز للمسلمين أن يخالفوا سبيلهم، لا شك أن سبيل هؤلاء المسلمين هو يكون على وفق كلام رب العالمين وأحاديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لكن الفرق بينهم وبين الذين يأتون من بعدهم أنهم يكونون في فهمهم على الصواب للسبب الذي ذكرناه آنفاً لقربهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلقياً ولغةً وفهماً.