هل من مانع أن تحتجب المرأة وتلتزم بالزي الإسلامي المطلوب وتواصل دراستها في الجامعة المختلطة ؟ حفظ
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فإن مجلة الاستجابة السلفية
قد هيأت لقاء مع فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فبعون الله سبحانه وتعالى فنبدأ بالسؤال الأول:
فضيلة الشيخ في جميع الجامعات السودانية اختلاط بين الجنسين الطلبة والطالبات وبتوسع الدعوة السلفية ولله الحمد ودخولها في الجامعات والمعاهد العليا توسع، فبتوسع الدعوة دخلت طالبات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لكنَّ المشكلة التي تواجههن مشكلة الاختلاط في الجامعات، فهل من مانع أن تحتجب المرأة وتتزيا بالزي الإسلامي المطلوب ثم تواصل دراستها والحالة هذه ؟
الشيخ : لا أرى ذلك جائزاً، لأنكم تعلمون أن الإسلام من كماله في تشريعاته أنه يضع السدود والعراقيل بين المسلمين وبين المحرمات هذا ما يسمى عند العلماء: " باب سد الذرائع "، فمثل هذا الباب عليه شواهد كثيرة وكثيرة جداً معروفة لدى أهل العلم، مثل ما جاء في القرآن الكريم من النهي عن سب المسلمين للمشركين خشية أن يعود هؤلاء المشركون فيسبوا الله بغير علم، علماً أن سب المشركين أمر جائز في الإسلام.
وكذلك مثلاً نذكر مثلين آخرين من السنة: قوله عليه السلام: ( إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه، قالوا: يا رسول الله وكيف يسب الرجل أباه؟ قال: يسبُّ الرجلُ أبا الرجل فيسبّ الرجل أباه )، يعني يسب الرجلُ رجلاً في أبيه فيعود هذا فيدفع عن نفسه فيسب بدوره أبا الساب الأول فنهى عن هذا الباب سد ذريعة ألا يسب أبوه بسببه هو
والمثال الثاني من السنة والثالث من الأمثلة: قوله عليه الصلاة والسلام الثابت في الصحيح: ( كتب على ابن آدم حظه من الزنا وهو مدركه لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش ) هذا رواية الصحيح، وفي رواية في مسند أحمد فيها عبد الله بن لهيعة وهو كأنه رواه بالمعنى قال: ( واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق لك كله أو يكذبه ) فحرم الشارع الحكيم على لسان نبيّه الكريم هذه النَّظرات، وهذه الاستماعات، وتلك اللَّمسات، وتلك الخطوات خشية أن تؤدي إلى العاقبة الوخيمة ألا وهي الزنا، فهذه الأشياء محرمة من باب سد الذريعة، ولقد أحسن شوقي مصر حينما اقتبس من هذا الحديث شعراً مشهور:
" نظرةٌ فابتسامة فسلام *** فكلام فموعدٌ فلقاءٌ "
هذا من الأحاديث أو النصوص القولية من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثم نجد في السنة العملية شيئاً من التطويق يحول الرسول عليه السلام بذاك التطويق بين المسلمين وأن يقعوا فيما حرم الله عليهم
لقد روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم من الصلاة يمكث في مكانه قليل، فكُنا نُرى ) وهنا كلام المحدثين، رجح الحافظ ابن حجر فيما أذكره أن هذا القول ليس من تمام حديث أم سلمة وإنما هو مدرج في حديثها وهو من قول أحد الرواة ولعله الزهري قال: " فكنا نُرى -أي: نظن- أن ذلك إنما كان مِنه عليه الصلاة والسلام ليقوم النساء وينصرفن من المسجد قبل الرجال حتى لا يختلط الرجال بالنساء عند الخروج من المسجد " هذا فعل منه عليه السلام تحقيق وتطبيق لما سبق من البيان من أقواله عليه السلام وكذلك في الآية القرآنية.
ومن هذا القبيل أيضاً تنظيم تسوية الصفوف في المسجد بحيث جعل صف النساء متأخر أفضل من الصف المتقدم خلاف صفوف الرجال، كل ذلك لتبتعد المرأة عن التقارب مع الرجال مع صف الرجال في أقدس مكان على وجه الأرض
وقد سئل الرسول عليه السلام كما تعلمون عن خير البقاع وشر البقاع فأجاب بأن ( خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق )، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتخذ هذه الوسيلة وهذه الذريعة وهذا الفصل بين الرجال والنساء في أقدس مكان، فماذا نقول في الأماكن الأخرى لاسيما إذا كانت هذه الأماكن لم يقم القائمون عليها على تنفيذ أحكام الله وشريعته كهذه الجامعات التي تسألون عنها، وإذا وقع ما يأتي في خير بقاع الأرض وهو المسجد بصورة عامة كما علمتم وخير بقاع الأرض كلها بعد مكة ألا وهو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وقع فيه ما يأتي فماذا نقول عما قد يقع من الأماكن الأخرى التي منها الجامعات القائمة اليوم؟!
لقد جاء في سنن الترمذي في تفسير قوله تعالى: ( (( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين )) أن هذه الآية نزلت أن رجلاً كان يتقصد الصلاة في آخر صفوف الرجال، وكانت امرأة تصلي -لا أقول تتقصد- تصلي في الصف الأول فكان ذاك الرجل إذا سجد نظر هكذا تحت إبطه إلى تلك المرأة )، فكان يتعمد الصلاة في الصف الأخير ليتمكن من أن يلقي نظرته إلى تلك المرأة، فقال تعالى منزلاً هذه الآية تأديباً وتحذيراً (( ولقد علمنا المستقدمين منكم )) في الصفوف الأُول، (( ولقد علمنا المستأخرين ))
هذا كله تشريع من الرسول عليه السلام قولاً وفعلاً وحيلولة أن يتدخل الشيطان بين النساء وبين الرجال، فإذا كنتم ترون أن هذه الوسائل التي ذكرناها شرعها اللهُ على لسان نبيه وعلى فعله لكي لا يختلط النساء والرجال بخير البقاع كما ذكرنا، يتبين لنا حينذاك جلياً أنه لا يجوز الاختلاط في هذه الجامعات حتى لو كانت جامعة إسلامية، أي تدرس الإسلام كتاباً وسنة، فلابد والحالة هذه أن يكون التدريس منفصلاً، الرجال لهم صفوفهم ولهم غرفهم والنساء كذلك لهن كذلك.
لهذا أنا أنصح المسلمات الفتيات والطالبات اللاتي استجبن والحمد لله لدعوتكم أن يتحاشين الدراسة في هذه الجامعات لأن الشر الذي قد يُصبن به يكون أكثر من الخير إن وجدن خيراً في الدراسة في هذه الجامعات.
السائل : أحسنت يا شيخ لكن ... إن شاء الله.