سبب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لاستقبال الصحابة له بالقيام. حفظ
الشيخ : فقد ذكر أنس رضي الله عنه في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره هذا القيام، ما هو السبب؟ له علاقة بالعبادة ذلك لأن القيام لشخص ما إكراما وتعظيما وتبجيلا فيه مضاهاة للمسلم الذي يقوم يصلي لله عز وجل قيامًا خاشعًا واضعًا يمناه على يسراه على صدره، فلا ينبغي للمسلم أن يعظم عبداً من عباد الله بمثل هذه الشعيرة التي تدل على تعظيم الله عز وجل من عبده إذا قام بين يديه يصلي، يشير إلى هذا المعنى غير هذا الحديث مما له علاقة في الصلاة، فقد جاء في *صحيح مسلم*: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان راكباً ذات يوم على دابته فجحشت به ورمته أرضًا وأصيب في عضده، فلم يستطع الصلاة قائما لما حضرت صلاة الظهر فصلى جالساً ورأى النبي صلى الله عليه وأله وسلم أن من خلفه يصلون قياماً )
ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لمن خلفه في الصلاة هذه كانت خصوصية ومعجزة له عليه الصلاة والسلام، حيث كان يرى في الصلاة فقط خلفه كما يرى أمامه، ولذلك جاء في حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوما لأصحابه: ( لا تسبقوني بالركوع والسجود فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي)
( فرآهم يصلون قياما وهو جالس فأشار إليهم بيده هكذا أن اجلسوا فجسلوا ، ولما أتم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال لهم: كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس على عظمائها، يقومون على رؤوس ملوكهم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائما فصلوا قياماً، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوساً أجمعين ) ففي هذا الحديث لفتة نظر عظيمة جدّا ألا وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأصحاء الذين يستطيعون أن يصلوا خلفه قيامًا وهو جالس أمرهم بأن يشاركوه في الجلوس، وهذا يعني انه أسقط عنهم ركنا من أركان الصلاة ألا وهو القيام فقد حيث قال رب الأنام: (( وقوما لله قانتين )) أي: ساكتين متعبدين.
أسقط هذا الركن لشيء واحد وهو ألا تظهر صورة وثنية ولو كانت النية صالحة وطيبة، إنما أراد أن يصلح الظاهر لأن الظاهر عنوان الباطن، أراد ألا تظهر مشابهة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجالس مضطرا وليس متكبرا كما يجلس كسرى ملك فارس على الكرسي، والصحابة القائمين خلفه ما قاموا تعظيماً له وإنما قاموا تعظيما لله رب العالمين مع هذا الفارق الكبير في النوايا أمرهم بأن يجلسوا لكي لا تظهر صورة تشبه صورة ملوك فارس مع عظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم، فأمرهم بالجلوس.
فإذا عرفنا هذه الحقيقة أسقط القيام المفروض على كل مصل من أجل دفع الصورة هذه لأنها هي صورة المشركين أهل فارس، فماذا يكون الحال إذا ما قام المسلمون ليس لله، وإنما قاموا لغير الله عز وجل قياما فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كره من أصحابه هذا القيام عندما يدخل إلى المجلس وهم يحبون أن يظهروا له حبهم إياه وتعظيمهم إياه فنهاهم عن ذلك، وكره لهم ذلك، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام خلافاُ لما هو معروف اليوم ليس فقط عند الرؤساء والأمراء ونحو ذلك، بل عند كثير من أهل العلم والمشايخ فيهم إذا دخلوا مجلساً فلا بد أن يفوم له الناس وأن يبجّلوه ويعظموه بهذا القيام، فجاء الترهيب الشديد لمن يحب هذا القيام بعد أن عرفنا عدم شرعيته ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أحب أن يتمثّل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار )، ( من أحب أن يتمثّل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار )، لقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حب الداخل إلى المجلس القيام من الجالسين فيه كبيرة من الكبائر تشبه كبيرة الافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم والتقول عليه في أحاديثه، كما جاء في الحديث الصحيح المتواتر: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )، كذلك قال في الداخل إلى المجلس: ( يحب أن يقوم الناس له تعظيماً فليتبوأ مقعده من النار ).
وحسما لداء حب التعاظم والتعالي والتكبر على المسلمين بمثل هذه الظاهرة.