بيان الشيخ أن الجلوس في حلقات الدروس بعيدين بعضهم عن بعض يتنافى مع الأدب الإسلامي. حفظ
الشيخ : لكنه في كثير من الأحاديث النبوية ما يجعلني أحكم بأن الجلوس بعضنا بعيدًا عن بعض يتنافى مع الأحاديث التي تحض المسلمين على أن يتقاربوا حتى في أبدانهم، فإن ذلك يكون دليلًا عمليًّا أو وسيلة عملية على التقارب بالقلوب، جاء في مسند الإمام أحمد -رحمه الله- من حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال:
( كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرقنا في الشعاب والوِديان، فسافرنا يومًا فتفرقنا كما كنا نفعل مِن قبل، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إنما تفرقكم هذا مِن عمل الشيطان، قال أبو ثعلبة: فكنا بعد ذلك إذا سافرنا ونزلنا واديًا اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا )، هذا في نزولهم في أسفارهم، فكيف يكون وضع المتفرقين في حلقات علمهم ودرسهم ؟!
لا شك أن الاجتماع في حلقة العلم أولى وأولى من ذلك الاجتماع وهم قوم سَفْرٌ، ومما يؤيد ذلك ما جاء في *صحيح مسلم*: ( أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد يومًا فرأى أصحابه حلقات حلقات، فقال لهم: ما لي أراكم عِزين؟ ) أي: متفرقين، ففهمتُ من هذا الحديث وذاك ومن غيرهما أن التقارب والتباعد بالأجساد له تأثير في القلوب تقاربًا وتباعدًا أيضًا، ولعلكم جميعًا تذكرون أنَّ مِن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا أقيمت الصلاة لم يدخل فيها إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يقول أحيانًا: ( لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) فدلنا هذا الحديث على أمر يجب الاهتمام به ألا وهو:
أن الاختلاف في الظاهر بتسوية الصف هذا الاختلاف المادي البدني سبب شرعي في اختلاف القلوب، والعكس بالعكس، لأن مقصود الحديث هو الحض على تسوية الصفوف لتتقارب القلوب والعكس بالعكس تمامًا، ( لتسوون صفوفكم ) وإلا إن لم تفعلوا ذلك خالف الله بين قلوبكم وضرب قلوب بعضكم ببعض، فإذن نستطيع أن نأخذ من كل هذه الأحاديث وغيرها أيضًا قاعدة تربوية إسلامية نبوية وهي: " أن صلاح الظاهر يؤثر في صلاح الباطن "، وأن الأمر ليس كما يتوهم بعض الشباب الذين اغتروا بشيء من الثقافة الأجنبية الغربية، ثم أهملوا تطبيق كثير أو قليل من الأحكام الشرعية حتى تركوا ركنًا من أركان الإسلام ألا وهي: الصلاة، فإذا ذكِّروا لم يتذكروا، بل تفلسفوا وقالوا: إن العبرة ليست بالصلاة، وإنما بما في القلوب فجهلوا هذه الحقيقة الشرعية وهي: " أن صلاح القلوب بصلاح الأجساد، كما أن صلاح الأجساد بصلاح القلوب "، ولذلك جاء في حديث النعمان بن بشير الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إنّ الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشُبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، أَلَا وإن لكل ملك حمى، أَلَا وإنّ حمى الله محارمه، أَلَا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) فكما أنَّ فساد الجسد من الناحية المادية يُشعر بأن قلب هذا الجسد ليس سليمًا كذلك فساد الجسد من الناحية الشرعية، وعدم قِيامه بالواجبات الدينية كذلك هو يدل على أن هذا القلب مريض غير صالح، فمن أراد أن يصلح قلبه فما عليه إلا أن يطبق الأحكام الشرعية، فإن تطبيقه لهذه الأحكام الشرعية هو إصلاح لهذا القلب ( ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كُلُّه، ألا وهي القلب ) فمن هذه الأحاديث نأخذ هذه القاعدة: " أن الظاهر سواء في الفرد أو في الجماعة صلاحًا وفسادًا يدل على صلاحِ القلوب وفسادِها "، ولذلك فعلى المسلمين أن يراعوا هذه القاعدة حق رعايتها، وأن يهتموا بتطبيق الأحكام الشرعية عملًا، لأن هذا التطبيق هو الذي جعله الشارع الحكيم سببًا شرعيًّا لصلاح القلوب، والأمر كما قيل: " الظاهر عنوان الباطن "، فإذا كان الظاهر على الشرع فذلك دليل على صلاح الباطن، والعكس بالعكس، من هنا أرى أن الجلوس في حلقات الدروس بعيدين بعضهم عن بعض يتنافى مع الأدب الإسلامي، فتقاربوا بأجسادكم تتقاربون إن شاء الله في قلوبكم.
بعد هذا نرجو أن نسمع ما عندكم من الأسئلة.