أرجوا توضيح ما ورد في رسالة ا* المسح على الخفين * ذكرت جواز المسح على النعلين، وقد خالف في ذلك كثير من أهل العلم ؟ حفظ
السائل : فضيلة الشيخ في رسالتك *المسح على الخفين* ذكرت جواز المسح على النعلين، وقد خالف في ذلك كثير من أهل العلم، أرجو التوضيح ؟
الشيخ : نعم، لقد خالف في ذلك كثير من أهل العلم ووافقَ، فماذا كان ؟
وهل هناك مسألة لم يختلف فيها العلماء إلا مسائل قليلة جدًّا، فالخلاف ينبغي ألا يشكك المسلم فيما قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن سلفنا الصالح دون أن يكون هناك في الكتاب ولا في السنة ما يخالف ما قد يكون ثبت عن بعض السلف الصالح.
فالمسح على النعلين قد جاء في عديد مِن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن غيره من أصحابه، مِن أشهر هذه الأحاديث ما رواه أبو داود في * سننه * عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسح على الجوربين وعلى النعلين ):
وأنا حين أذكر هذا الحديث أذكر أن بعض من يشترطون في الملبوس على القدمين أن يكون ساترًا لمكان المفروض غسله من القدمين وهو إلى الكعبين كما في نص القرآن الكريم، لقد تأولوا حديث المغيرة هذا فقالوا: إن المسح الذي وقع على الجوربين وعلى النعلين كان المقصود به المسح على الجوربين وليس المقصود به المسح على النعلين.
نحن نقول: إن هذا الحديث يمكن تأويله بتآويل كثيرة، ولكننا إذا جمعنا الأحاديث الواردة عن المغيرة بن شعبة فيما يتعلق بالمسح لوجدناها ثلاثة أقسام: أشهرها وأصحها ما جاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان في سفر وتوضأ وكان لابسًا لخفيه، فلما همَّ المغيرة بن شعبة على خلعهما قال: عليه الصلاة والسلام له: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين )، فهذا نوع من أنواع المسح الذي رواه المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
النوع الثاني: ما ذكرته آنفاً أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على الجوربين وعلى النعلين ) وهما ملبوسان، كان الرسول عليه السلام يمسح تارة على الخفين وتارة على الجوربين وتارة على النعلين، والمسح على الجوربين كما جاء عن المغيرة جاء عن غيره أيضًا، وأبو داود رواه عن أبي موسى الأشعري وغيره.
كذلك جاء المسح على النعلين لوحدهما دون أن يُذكر المسح على الجوربين معهما، جاء ذلك من رواية صحابي مشهور بأوس بن أوس الثقفي وهو أيضًا في * سنن أبي دواد *.
المسح الرابع والأخير: جاء أيضًا عن المغيرة بن شعبة: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسح على العمامة )، فإن قد ثبت المسح على النعلين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز أن نتردد في قبوله لأن كثيرًا أو قليلًا من العلماء لم يذهبوا إلى جواز المسح على النعلين لما ذكرته آنفًا.
وأنا أقول: لو لم يكن عندنا سوى الأثر الذي أخرجه الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه الشهير بــــــــ * شرح معاني الآثار *، وأبي بكر البيهقي في كتابه المعروف بـــــــ * السنن الكبرى * فقد أخرجا بإسنداهما الصحيح عن علي رضي الله تعالى عنه: " أنه توضأ ومسح على نعليه ثم أتى المسجد فخلعهما وصلى بالناس إمامًا "، هذا علي -رضي الله عنه- أحد الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة يفعل ما سمعتم وروده في تلك الأحاديث من المسح على النعلين.
فبعد هذا كلِّه كيف يجوز للمسلم أن يتردد في قَبول هذه الرخصة وما تردُّدُ مثل هذا في قَبول هذه الرخصة إلا كما يترددُ كثيرون في قَبول رخصة المسح على الجوربين وذلك باشتراط شروطٍ لم تأت في السنة فضلًا عن الكتاب، من مثل قولهم: يجب أن يكون ثخينًا، يجب أن يثبت عن الساقين بنفسه، يجب أن يتمكن من السير عليهما، أي: على الجوربين مسافة كذا وكذا، كل هذه ظنون ما جاء شيء منها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن السلف الصالح، بل قد روى غير ما واحد مِن أهل الحديث عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه قال: " ما كانت جوارب المهاجرين والأنصار إلا مخرقة "، يشير بذلك إلى رد اشتراط ألّا يكون مخرقًا لأنه ينفذ الماء من هذا الخرق، كل هذا تعقيدٌ لرخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلاشك بوحي من ربه، وتبيينًا لمثل قوله عز وجل: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ))، فإذا صح الحديث وتأكد أيضًا بعمل بعض السلف به وبخاصة إذا كان من العشرة المبشرين بالجنة، بل ومن الخفاء الراشدين، فلم يبقَ هناك مجال في التردد لقبول هذه الرخصة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: ( إنَّ الله تبارك وتعالى يحب أن تُؤتى رخصُهُ كما يحب أن تؤتى عزائمه ) وفي رواية أخرى: ( كما يكره أن تؤتى معاصيه ) فينبغي أن يحافظ المسلم على أن يترخص فيما رخص فيه الشارع، لأن الله عز وجل يحب ذلك من عبده، تبارك وتعالى، هذا جواب السؤال.