هل كل كافر مشرك والعكس، وهل الحاكم بغير ما أنزل الله مشركاً ؟ حفظ
الشيخ : أما من لا نعلم ما في صدره وما في قلبه فنقول إن حكمه بغير ما أنزل الله ليس كحكم اليهود، لأن اليهود لم يعتقدوا شرعية ما أنزل الله، أما هذا المسلم الحاكم بغير ما أنزل الله هو يعتقد الشرعية ولكن لا يعمل بها كالذي يعتقد شرعية تحريم الربا لكن عمليًّا يأكل الربا، كالذي يزني يعتقد أن الزنا حرام لكنه عمليًّا يزني فهل يكفَّر مواقع المعصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة؟
عرفتم الجواب من الآية المشورة: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))، والبحث في هذا أيضًا طويل الذيل وقد انتهى الوقت، ولكن أرى نفسي لابد من تقديم فائدة مهمة جدًّا بمناسبة هذه الآية: (( إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )):
يجب أن تعلموا جيدًّا أن كل كفر شرك وكل شرك كفر وأن لا نفرق شرعًا بين الكفر والشرك، كل من كفر فقد أشرك ولو لم يبدُ لكم ظاهرًا أن هذا الذي كفر أشرك، كثير من الناس يتوهمون أن الكفر أعم من الشرك، والشرك أخص من الكفر، مثلًا:
نحن الآن في صدد الحكم بغير ما أنزل الله، فإذا رأينا حاكمًا يحكم بغير ما أنزل الله ويعتقد أن شرع الله لا يصلح لهذا الزمان قلنا فيه ماذا؟
مرتد عن دينه، هل هو مشرك؟
السائل : نعم.
الشيخ : هذا هو الجواب وهذا عين الخطأ، هو ليس مشركاً لغة ولكنه مشرك شرعًا هذا الذي أنا أردت أن أنبه عليه لماذا؟
قلنا: أن هذا حكم بغير ما أنزل الله واعتقد أن هذا الحكم جائز فقد كفر وارتد عن دينه، لكن هل هو مشرك؟
الجواب: نعم، (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) وبإيجاز واختصار: كلّ من استحل أن يتبع هواه فقد جعل إلهه هواه وهو مشرك، هذا أمر ضروري جدًّا، لأنكم أول شيء قد تفاجَئون بهذا الذي حكم بغير ما شرع الله، ورأى أنّ الشرع غير صالح لهذا الزمان هذا ممكن أن يغفر الله له أم لا؟
ستقولون قولًا واحدًا: لا، ربنا لا يغفر له، سيطالبكم بالدليل، ما الدليل؟ ستقولون: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) فسيأتي الجواب: هذا ما أشرك فكيف تقولون لا يغفر له؟
لاحظتم الدقة بالموضوع؟
السائل : نعم.
الشيخ : أما إذا فهمتم أن كل من كفر فقد أشرك ولابد ولا انفصال بين الكفر والشرك لغةً شرعية مش لغة وضعية، اللغة الشرعية تبقى في كثير من الأحيان أعم وأحيانًا تكون أخص، والبحث يطول، لكن الخلاصة أذكركم ببعض الأدلة القرآنية التي تعطيكم هذا المعنى لتكونوا منشرحين له، وهي القصة التي حكاها ربنا عزوحل في سورة الكهف بين المؤمن والكافر: (( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )) الآن السؤال حسب العُرف العام هذا كفر أم أشرك؟
السائل : كفر وأشرك.
الشيخ : لا، أقول حسب العرف العام؟!
السائل : كفر.
الشيخ : كفر هذا ما أريد التنبيه عليه، كفر لأنه أنكر البعث أو على الأقل شكّ ي البعث والنشور: (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) هذا كفر وليس شركًا، (( وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) لماذا قال له: لا أشرك بربي أحدًا؟
لأن ذاك الكفر هو الشرك، لأنه حينما حكم بأنه لا بعث ولا نشور ثم تمنى على الله الأماني وقال: (( وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )): إذن هذا أشرك عقله مع ربه فحكم بغير حكمه وبغير خبره: (( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) إلى آخره.
بعدين ربنا بتابع القصة المحاورة بين الاثنين، فماذا قال في آخرها: (( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )) أين شركه؟
الذي لا يعرف هذه الحقيقة الشرعية يتساءل أين شركه؟
هو كفر هو ما أشرك، لكن اعلموا أن كل كافر مشرك فضلًا عن كون كل مشرك كافر، حينئذ إذا قيل أنّ الذي يحكم بغير ما أنزل الله مستحلًّا بقلبه فقد كفر وارتد عن دينه فهل يغفر له؟
الجواب: لا، حينما نستدل بالآية: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) فسِّروها بمعنى أن يكفر به لأن كل كفر شرك هذا الذي أردت أن أختم معكم هذه الجلسة، والحمد لله رب العالمين.