توضيح حكم البدعة وتقسيماتها وأن كل بدعة ضلالة وليس في الدين بدعة حسنة. حفظ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))، (( يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءًا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا ))، (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سَديدًا * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومَن يُطِع الله ورسولَه فقد فاز فوزًا عظيمًا )).
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
هذه الخطبة مما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح بها خُطَبه كلَّها وبخاصة يوم الجمعة، ويذكرُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في * اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم *: " أنَّ تكرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الإفتتاحية في خطبه كلها، والتي تسمى بـــــــ: خطبة الحاجة، كان من الحكمة في تكرارها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى بهذا التكرار لها أن يمكن من قلوب أصحابه قاعدة من قواعد الشرعية الإسلامية الهامة الكلية التي لا استثناء فيها، ألَا وهي قوله عليه الصلاة والسلام: ( كلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار ) "، يؤكد ابن تيمية -رحمه الله- أن مثل هذه العبارة التي كان رسولُ صلى الله عليه وآله وسلم يُكررها على مسامع أصحابه دون أن يُدخل فيها تخصيصًا ما وبحديثٍ آخر، فذلك مما يؤكد أنَّ هذا العموم هو على إطلاقه وشموله فلا يجوز لمؤمنٍ يشهد لله عز وجل بالوَحدانية ولنبيه بالرسالة أن يعارض هذه الكلية فيقول: ليس كل بدعة ضلالة، وليس كل ضلالة في النار:
أولًا: لأن هذه العبارة العامة لابد لها من تخصيص وليس لها تخصيص.
وثانيًا: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما ذكرنا آنفًا- كان يكررها في كل جمعة، فلا يُعقل أبدًا أن يكرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكلية على مسامع أصحابه ثم لا يُتبع بها يومًا ما تخصيص ما، فهذا قرينة ما بعدها قرينة على بقاء هذه القاعدة على كليتها وشمولها وعمومها، وبخاصة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرَّرها في بعض خطبهِ الأخرى، كما روى أصحاب السنن، أما خطبة الحاجة هذه التي ذكرناها فهي من حديث جابر -رضي الله عنع- وفي * صحيح مسلم *، إلا أنَّ زيادة: ( وكلَّ ضلالة في النار ) هي من رواية الإمام النسائي في * سننه الصغرى * وإسنادها صحيح - والحمد لله -.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرر هذه الكلية في غير ما مناسبة أخرى، منها ما أخرجه أصحاب السنن وفي مقدمتهم أبو داود، والترمذي وصححه، من حديث العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال: ( وَعَظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظةً وجِلَت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله! قال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي، وإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة ).
فها أنتم ترون وتسمعون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كرر هذه القاعدة الكلية في خطبة أخرى وموعظة ألقاها على أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم حتى جاء في رواية: ( أن العرباض قال: قلنا: يا رسول الله كأنها وصية مودع فأوصنا وصية لا نحتاج إلى أحدٍ بعدك أبدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله -إلى أن قال- وإياكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلَّ مُحدَثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة ):
إذا كان الأمر كذلك وأنَّ الأمر في كل بدعة إنما هي ضلالة مهما كان أمرها ويظن بعض الناس الحسن فيها، فذلك خطأ واضح لمخالفة ذلك التحسين لقوله عليه السلام: ( كلُّ بدعة ضلالة )، ولقد أكد هذه الكلية بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم تصريحًا، وبعضهم تلميحًا أو إشارة، فقد صحَّ عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، حديث موقوف، قال ابن عمر، وهو كالبيان لما ذكرته آنفًا: " كلُّ بدعة ضلالة وإن رءاها الناس حسنة ".