هل أساليب الدعوة توقيفية أم اجتهادية وما ضابطها وما أمثلة أساليبها ؟ حفظ
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فضيلة الشيخ -حفظكم الله- يقول السائل : هل أساليب الدعوة توقيفية أو اجتهادية وما ضابطها، واضرب لنا أمثلة على الأساليب، وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد ذكرتُ في كلمتي السابقة حديثًا يمكن الاعتماد عليه جوابًا عن هذا السؤال، أَلَا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) فلا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جاءنا بشريعة كاملة لا تحتاج إلى أحد أن يستدرك عليها شيئًا، ولكن يمكن أن يقال: بأن كمال الشريعة ليست في تفاصيلها ودقائق أحكامها كما هي في قواعدها وفي أصولها، فإن الأصول والقواعد التي جاءت في الشريعة تيسر على الباحث المجتهد دائرة الاستنباط والإتيان ببعض الأمور التي لم تكن معروفةً في العهد الأول، وقد تكلمتُ منذ عهد قريب في غير هذا المجلس المبارك إن شاء الله على ما يسمى عند العلماء بـــ المصالح المرسلة، فهذه المصالح المرسلة هي أمورٌ حدثت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن معروفة في ذلك العهد الأزهر الأنور، وإنما حدثت فيما بعد، فهل هذه الأمور الحادثة تدخل في عموم ما ذكرته في الجلسة السابقة قبل صلاة العصر، أَلَا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار )، أم يمكن أن يكون في بعض هذه الأمر الحادثة ما يمكن الأخذ بها والعمل بها وإن لم تكن موجودةً معروفة من قبل، وهذه النقطة في الحقيقة مِن دقائق الفقه وأصول البدع:
إن الأصول المعروفة والمشهورة عند العلماء وطلاب العلم إنما هي أصلان فقط:
أصول الحديث، وأصول علم الفقه.
ولكن هناك بعض العلماء المتأخرين اعتمادًا على كتاب جديد في أصول البدع ألّف رسالة، كتيبًا أسماها *أصول البدع*، والحقَ أقول:
إن إتقان هذا العلم -أعني: علم أصول البدع- يساعد الفقيه على التمييز بين ما كان بدعة ضلالة داخلة في عموم ذلك النص النبوي الكريم، وبين ما كان من المصالح المرسلة التي يقول بجواز الأمر بها كثير من العلماء وعلى مقدمتهم وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ولدقة الأمر ولإمكان اختلاط هذا الحادث أن يكون بدعة ضلالة وبين أن يكون مصلحة مرسلة هنا تكمن الدقة المتناهية، وقد فصل القول في ذلك ابن تيمية -رحمه الله- ليكون الباحث على بينة من الأمر، يقول -رحمه الله-: " إذا حدثت حادثة، نُظر في الباعث على إحداثها، فإن كان الباعث على ذلك كان قائمًا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم يأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك الأمر الحادث مع وجود المقتضي للأخذ به أو على الأقل لتشريعه، فما دام أن المقتضي كان موجودًا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأخذ بالمقتضى منه فذلك دليل على أنَّ الأخذ به إذا وُجد فهو بدعة ضلالة، داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ) "، ومن الأمثلة الواضحة البينة في ذلك:
الأذان لصلاة العيدين، فلو أنَّ أحدًا عنَّ أو خطر بباله أن يتخذ الأذان المعروف وسيلة للإعلام بدخول وقت صلاة العيد لن يُقبل ذلك منه، لأنه قد كان المقتضي لتشريع أو تسنين مثل هذا الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك لم يكن ذلك مسنونًا، فمن سنَّ في زمنٍ ما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذانًا لغاية الإعلام يكونُ محدِثًا ومبتدِعًا، ومعنى ذلك أنه يكون مستدركًا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وناسبًا بلسان حاله ولسان الحال كما يقال: أنطق من لسان المقام.