ما مدى صحة حديث المروي وفيه: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قرأ على غلام فخرج منه مثل الجرو ؟ حفظ
السائل : وما مدى صحة حديث ما معناه: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قرأ على غلام فخرج منه مثل الجرو أو كالجرو، لقد كثر الكلام في هذه القضية، نريد إجابة شافية أثابكم الله ؟
الشيخ : لا شكَّ عند علماء المسلمين أنَّ من الواقع قديماً وحديثاً تلبس الجن بالإنس، وفي ذلك الإشارة في قوله تعالى حينما وصف آكل الربا فقال عز وجل: (( كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان مِن المسّ )) فهذا إشارة إلى أن الشيطان يتسلَّط على الإنسان ويخبطه يميناً ويساراً، وهذا هو المسمى بالصَّرَع، هذا الصَّرَع الذي سببه تسلُّط الجن على الإنس لما كان من نوعٍ لا تصله الأدوية المادية الطبية المعروفة اليوم، لذلك ألقى الأطباء سواءً كانوا كفارًا أو مسلمين ألقوا سلاح الاستسلام لأنه لا دواء عندهم لمثل هذا المرض، لأن له علاقة لما وراء الأسباب الكونية الطبيعية التي هي في طول الإنسان، أما الجن فهذا خلق كما وصفه الله عز وجل: (( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )) لذلك لا تفيد أدوية الأطباء في هذا النوع من الصرع، الصرع له أنواع أخرى يعالجونها فينجحون في ذلك، أما ما كان الصرع سببه هو الجن فهذا ليس له عِلاج إلا الرُّقى الشرعية إلا تلاوة بعض الآيات القرآنية أو الأدعية النبوية الصحيحة، هذه الآية تشير إلى هذه الحقيقة، ثم تأتي أحاديث صحيحة منها الحديث الذي جاء في السؤال، والحديث في * مسند الإمام أحمد * رحمه الله من طرق بعضها جيد: ( أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ بامرأة لها صبي مصاب بلمم، بمس من الجن، فجاءت به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشكت إليه حاله فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات القرآنية وأمر الجن المتلبس بهذا الغلام بأن يخرج فخرج )، لا أذكر الآن إذا كان في الحديث كما جاء في السؤال: ما يشبه الجرو، قد يكون هذا في بعض الروايات، ولكن المهم في الحديث أنه خرج وشُفِي وكأنما نُشِط من عقال، ( ثم لما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمرَّ بالمرأة فسألها عن الغلام فذكرت بإنه لم يعد يرى ما كان يرى من قبل ).
الذين يحكمون عقولهم في النصوص الشرعية لا شكَّ أنهم لا يقبلون مثل هذه الأخبار لأنها تحتاج إلى إيمان وإلى معرفة بطرق الحديث فهم يجهلونها، وثقة بأئمة الحديث وهم لا يثقون بهم، لأنهم لو كانوا كذلك لسلَّموا قيادة فكرهم وعقلهم لهذه الأحاديث التي رواها أهل السنة وهي صحيحة وليست ضعيفة، لو كانوا يعلمون شيئًا من العلم أن هذا حديث ضعيف ولا تقوم به حجة لقلنا لا بأس، ولكن الآية الكريمة تشير إلى ما جاء في هذا الحديث وغيره مع وروده من طرق بعضها حجة كما ذكرت آنفًا.
ثم إن عمل علماء المسلمين قد جرى اقتداءً منهم بالنبي الكريم صلواتُ الله وسلامه عليه كانوا معروفين بمعالجة بعض الصَّرعى بنفس الطريقة التي عالج بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الغلام، ولو أن بعض هؤلاء العلماء كان من العلماء الذين يمشي عليهم الزغل والدجل لكنا نفترض أنه قد دخل عليهم الغش في هذه المسألة، أَمَا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رافع راية التوحيد والدعوة إلى الكتاب والسنة ومحاربة الخرافات ودجل الصوفيين والصوفيات ونحو ذلك، هذا الرجل هو الذي اشتهر بأنه كان يعالج الصرعى ويتلو عليهم بعض الآيات القرآنية فيعود المصروع كأن لم يكن به مسٌّ، فإذن جحد هذه الحقائق التي جاءت في بعض الأحاديث الصحيحة وعمل بها بعض الأئمة كابن تيمية، هذه في الحقيقة مكابرة ما بعدها مكابرة، ومن عَجبٍ أن بعض الذين ينكرون هذه الحقائق ينكرون على بعض الطلبة من إخواننا السلفيين أو أهل الحديث الذين قد يتسرعون فعلًا في التمسك بحديث ويخطئون إمامًا من أئمة المسلمين لمجرد أن يكون قد وقف على حديث صحيح فلا يبالي بمن خالفهم فيقول هذا البعض مستنكرًا: كيف هذا ولكلِ علمٍ أهلُه والمتخصصون به، ويضرب على ذلك الأمثلة: إذا كان عندك فلان مريض مثلًا تأخذه عند الشيخ العالم ولا تأخذه عند الطبيب، وإذا كان المريض مصابًا بمرض في عينه تأخذه عند الطبيب المختص بمعالجة القلب والصدر ونحو ذلك ؟!
يقول: لكل علم اختصاص يقول هذه الحقيقة وهو الحق ولا شك في ذلك أبدًا، ثم ينسى ذلك فيحكم عقله التقليدي الفقهي المذهبي المادي فينكر هذه الحقائق، فأهل الحديث يثبتون هذه القصة، فلا يباليه أي مبالاة.