بيان أن التفريق في الحكم بين الصور الفوتوغرافية والصور المرسومة باليد هو من ظاهرية العصر الحاضر. حفظ
الشيخ : في كلمتي السابقة وجواباً عن ذاك السؤال الذي فيه أن بعض الناس يظنون أنني ظاهري المذهب على مذهب ابن حزم فكنت بدأت ذكر بعض النماذج، من ظاهرية ابن حزم التي لا نراها من الصواب في شيء ووصلت من بعد تلك الأمثلة التي نقلتها من كتاب ابن حزم ألا وهو * المحلى * لأتوصل من ذلك إلى ظاهرية عصرية وهذه أغرب من تلك الظاهرية، لأنها تصدر من ناس يزعمون أنهم يستعملون عقولهم، ولذلك وصل بهم الأمر إلى أن يقعوا في متناقضات عجيبة فهم مع استعمالهم لعقولهم الجامحة أنكروا أحاديث صحيحة ومن جانب آخر جمدوا جمود الظاهرية وهذا الذي قصدت آنفا بيانه، قلنا إن الصور منها الصور المجسمة والتي لها ظل أي الأصنام فهي محرمة باتفاق المسلمين، أما الصور الأخرى وهي غير المجسمة والتي تطرز على الستائر أو على الثياب أو تصور على الجدران بالدهان أو بقلم الرصاص أو بنحو ذلك علىى الورق هذه الصور يسمونها بغير المجسمة وقد يعبرون عن هذا بأنها لا ظل لها بينما الأصنام لها ظل، هذا القسم الثاني من الصور قد وُجد فيمن مضى من قال لا بأس بها لأنه حمل الأحاديث التي تلعن المصورين والأحاديث التي تقول: ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب ) على الصور المجسمة التي لها ظل.
وصلت إلى ذكر حديث عائشة في الستارة التي كانت اتخذتها بمناسبة قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر ذلك عليها ذلك وقال: ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة هؤلاء المصورون يضاهون بخلق الله ) فأشار إلى المصورين الذين صوروا الصور على الستائر وهي صور ليست مجسمة، وإنما هي صور الثوب على الستارة فكان هذا دليلا على بطلان من يحصر الصور المحرمة فيما كانت مجسمة أو لها ظل فهذه الستارة صورها عليها لا ظل لها وليست مجسمة، لذلك جزم كثير من علماء المسلمين وفي مقدمتهم الإمام النووي في شرحه في صحيح مسلم فقال: " الصواب أن الأحاديث تشمل بالتحريم كل الصور سواء ما كان منها مجسما أو غير مجسم "، وصلنا اليوم في عصرنا الحاضر إلى نوع ثالث من الصور وهي الصور الفوتوغرافية فوُجد كثير من الكتاب بل وممن يقال إنهم من الدعاة الإسلاميين من قال منهم بأن هذه الصور الفوتوغرافية هي مباحة لماذا؟ لأنها لم تصور بالقلم أو بالريشة أو بأي وسيلة قديمة وهذا يشبه الجمود الظاهري في تفسيره للحديثين السابقين، حديث: ( إذنها صماتها ) وحديث: ( نهى عن البول في الماء الراكد ) ولا حاجة بنا إلى إعادة الكلام فيهما.
فالآن هذا الجمود الظاهري العصري الذي يفرق بين صورة صُورت بالقلم باليد وبين صورة صُورت بالآلة الفوتوغرافية، هذه صورة وهذه صورة إذا وضعت إحداها بجانب الأخرى لن تجد بينهما فرقا يذكر وإنما الفرق شكلي محض وهو أن يقول هذه صورت باليد فهي حرام وهذه الأخرى صُورت بالآلة فهي حلال هذه ظاهرية ابن حزم في العصر الحاضر.
ولقد قلت مرة لبعضهم: زعموا بأن شيخاً زار تلميذا له فلما جلس في مكانه وجد تجاهه صورة نفسه فوعظ تلميذه وقال له: يا فلان أنا أعرفك تلميذا صالحا تقيا فلماذا وضعت صورتي في هذا المكان ألا تعلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو كلب؟ قال له: يا سيدي أنا فعلت ذلك لتكون ذكراك في خاطري فقال له هذا لا يجوز فعليك أن تخلعها وتنزعها فبادر التلميذ وأنزلها ثم راحت أيام ورجع الشيخ وزار التلميذ مرة أخرى وإذا به يرى الصورة في مكانها فذكر التلميذ بما كان وقع منه سابقا وكيف أن الشيخ وعظه وذكره فقال وأنه استجاب التلميذ يومئذٍ له فلماذا أنت رجعت ووضعت الصورة مكانها قال التلميذ: يا سيدي نحن كنا فهمنا منك أن الصورة اليدوية هي المحرمة، أما الصورة الفوتوغرافية فهي المباحة فهذه صورة فوتوغرافية فقال الشيخ : بارك الله فيك أنت تلميذ فقيه أو فقهت.