التوجيه الصحيح لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ). حفظ
الشيخ : ومنشأ هذا الغلو ينشأ من فهم هذا الحديث بمعنًى واسع أكثر مما يدل عليه الحديث بتمامه، لأن هذا الحديث يمكن توجيهه وتفسيره بأحد معنيين: الأول: ( لا تطروني ): لا تبالغوا في مدحي، وهذا مفهومه امدحوا، ولكن لا تبالغوا، هذا هو المعنى الأول، والمعنى الآخر، وهو الذي يبدو لي: أنه ينهى أمته أيضًا من باب سد الذريعة أن يمدحوه عليه الصلاة والسلام بشيء من عند أنفسهم خشية أن ينحرف بهم المدح عن العدل وعن كلمة الحق، هذا المعنى هو الذي يترجح عندي أولًا بالنظر إلى تمام الحديث حيث قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ) وكأن سائلًا هناك يسأل: فماذا وكيف نقول وكيف نمدح ؟ فأجاب الرسول عليه السلام كما هي عادته ولا غرابة في ذلك، فإنه كما قال تعالى: (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إن هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى )) ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد -إذن- فقولوا: عبد الله ورسوله ) لا تزيدوا في مدحي على ما مدحني ربي تبارك وتعالى، وليس المعنى إذن: لا تبالغوا وإنما لا تمدحوا إلا بما جاء في الكتاب والسنة، والذي جعلني أميل إلى هذا المعنى الثاني هو أن علماء الحديث ذكروا هذا الحديث في باب: تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، باب تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أو باب تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، فلو فسر الحديث بالمعنى الأول لم يتفق الحديث مع الترجمة ولم يترجم الباب لهذا الحديث، لأن أن يُقال لا تبالغ في مدحي فهذا واجب، بينما الباب تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالذي يليق بهذا التواضع إنما هو أن يقول عليه الصلاة والسلام: لا تمدحوني ولا تقولوا فيّ إلا عبد الله ورسوله، لأن الله عز وجل هكذا وصفه عليه الصلاة والسلام، فإذن من باب سد الذريعة كما جاء هذا الحديث وإن كان قد وقع شيء من التبرك من بعض الصحابة وإن صح ذلك من بعض ما جاء من بعدهم فهذه قضايا فردية لا يبنى عليها حكم عام يذاع بين المسلمين، لأن العاقبة ستكون الغلو في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا مما نهى عنه هو مباشرة وكان ذلك تفسيراً لمثل قوله تعالى: (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ ))، هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال.