ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأراضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون " أنكر بعض العلماء لفظة الشمال في هذه الرواية لأنه تفرد بها عمر بن حمزة وهو ضعيف ولمخالفتها لحديث ( كلتا يدي ربي يمين ) فما رأيك في ذلك ؟ حفظ
السائل : ( يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأراضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ) يقول المصنف رواه مسلم عن ابن عمر وفي إسناده عمر بن حمزة العمري ضعيف كما في * التقريب * وقد تفرّد بذكر الشمال في هذا الحديث وقال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات : ذكر الشمال فيه تفرّد به عمر بن حمزة عن سالم وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن المقسم عن ابن عمر ولم يذكرا فيه الشمال ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر أحد منهم الشمال وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعيف بمرة تفرّد بأحدهما جعفر بن الزبير وبالآخر يزيد الرقاشي وهما متروكان وكيف يصح ذلك وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى ( كلتا يديه يمينا ) وكأن من قال ذلك أرسله من لفظه أي رواه بالمعنى الذي فهمه لا بنصه على ما وقع له أي من الفهم أو على عادة العرب في ذكر الشمال في مقابلة اليمين انتهى وضعّف هذه الرواية أيضا القرطبي في التذكرة وقد ثبت أن كلتا يدي الرحمن جل وعلا يمين ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن المقسطين على منابر )
الشيخ : إن إن
السائل : ( إن المقسطين ) نعم انتهى .
الشيخ : لفظ الشمال في هذا الحديث فعلا تفرّد به المذكور آنفاً والذي ضعفه الحافظ في التقريب وكنت عللت به حديثا آخر ذكرته في * آداب الزفاف * فانتقده بعض المعاصرين بحجة واهية أن الحديث جاء في صحيح مسلم فقد جاوز القنطرة كما يقول بعضهم لكن هذه القاعدة ليست بصحيحة ولذلك فنحن معه في تضعيفه للفظ الشمال في حديث ابن عمر هذا لكن فيما قاله من عدم ثبوت لفظة الشمال في كل أحاديث الصفات هذا الحقيقة يحتاج إلى استيعاب بالغ .
فما أدري هل المؤلف فعل ذلك فإن كان كما ذكر مما يشعر بأنه ليس هناك أحاديث أخرى فيها ذكر الشمال كصفة لإحدى يدي رب العالمين فيكون ما ذكره مستقيماً على بابه ، لكن يبقى النظر هل استقصى كل الأحاديث الوارد فيها هذا اللفظ أم لا ؟ هذا موضع يحتاج إلى تحقيق ومراجعة لو كان المؤلف بين أيدينا وسألناه هذا السؤال ويقول لا طرائق غير الطرق التي ذكرها فقوله صحيح حسب القواعد ولكن ورود ( كلتا يدي ربي يمين ) لا ينفي من حيث الدلالة المعنوية أو بتعبير الفقهاء من حيث الدراية وليس الرواية لا ينفي أن يكون لله يدين إحداهما يمين والأخرى شمال ذلك لأن ورود ذلك في بعض الأحاديث الأخرى لا ينفي هذه الصفة التي جاءت في الصحيح وكلتا يدي ربي يمين لأن هذا الحديث هو تفصيل لبعض ما يشمله عموم قوله تبارك وتعالى: (( ليس كمثله شيء )) فإن ثبت وهذا الذي هو قائم في ذهني أن بعض الأحاديث فيها لفظة الشمال فلا تعارض ولا اختلاف حين ذاك بين هذا اللفظ وبين قوله عليه السلام: ( وكلتا يدي ربي يمين ) لأن هذا الحديث الصحيح كما ذكرت آنفاً تأكيد لقوله تبارك وتعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) هذا جوابي وهذا كما تسمعون متوقف في طريق الجمع بين إذا ثبت لفظة الشمال فالجمع واضح جداً، لأن من قسم علم الحديث ما يسمى بتعبير الحافظ ابن حجر بالحديث المقبول فهو يقول إذا جاءنا حديثان متعارضان كلاهما من قسم المقبول وجب التوفيق بينهما بوجه من وجوه التوفيق وهي كثيرة وأجمل القول فيها الحافظ في رسالته * شرح النخبة * وفصّل القول فيها تفصيلا جيدا الحافظ العراقي في تعليقه على مقدمة ابن الصلاح يقول الحافظ: إذا جاء حديثان مقبولان وجب التوفيق بينهما بوجه من تلك الوجوه فإن لم يمكن التوفيق صير إلى اعتبار الناسخ من المنسوخ منهما هذا كلامه ولا بد لي من وقفة .
الناسخ والمنسوخ إنما موضعه الأحكام الشرعية ففيها يمكن أن يقع الناسخ والمنسوخ أما في الأخبار الغيبية وبخاصة ما كان منها متعلقا بالصفات الإلهية فيستحيل أن يكون فيها ناسخ أو منسوخ وعلى هذا فمثل هذين الحديثين لا يتصور أن يكون بينهما ناسخ أو منسوخ وعلى ذلك استمر الحافظ يذكر المرتبة الثالثة بعد أن ذكر المرتبة الأولى التوفيق والمرتبة الثانية اعتبار الناسخ من المنسوخ والمرتبة الثالثة إذا لم يمكن لا التوفيق ولا اعتبار الناسخ والمنسوخ قال صير إلى الترجيح ومعنى ذلك أن يقال مثلاً أحد الحديثين صحيح والآخر حسن يعرض عن الحسن ويعتمد على الصحيح ومن ذلك الشرط المذكور أولاً لم يمكن التوفيق ولم يمكن اعتبار الناسخ والمنسوخ حينئذٍ يقال الصحيح هو الراجح والحسن هو المرجوح وإذا كان الحديث حسناً فضلاً عن أن يكون صحيحاً وكان معارضه ضعيفاً فأولى ألا يعتد به هذه هي المرتبة الثالثة .
قال: " فإن استوت المرتبة في كل من الحديثين ولم يكن قد أمكن التوفيق ولا اعتبار الناسخ والمنسوخ قال وكل العلم إلى عالمه " كأنه يشير بالرد على بعض علماء الحنفية المتأخرين الذين يقولون في كثير من الأحاديث " تعارضا فتساقطا "ولو كانا حديثين صحيحين والأدب هو ما قاله ابن حجر رحمه الله كما سمعتم أن نكل الأمر إلى عالمه فهنا لا بد من التوفيق وقد ذكرنا آنفاً وهذا شرطه إن ثبت في غير طرق فيه أشار إليها لفظ الشمال هذا ما عندي جوابا عن ذاك السؤال .