ما توجيهكم في خلاف السلف من أهل السنة والجماعة في بعض مسائل الصفات ؟ حفظ
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد : يقول السائل : فضيلة الشيخ أنتم تزعمون أن العقيدة أمرٌ قد أجمع عليه السلف ومع ذلك نجد هناك خلافاً بينهم في إثبات العين أو العينان ؟
الشيخ : أنتم إيش أول ؟
السائل : أنتم تزعمون.
الشيخ : تزعمون أيوا ، ليته لطفها قليلاً .
السائل : أن العقيدة أمر قد أجمع عليه ، ومع ذلك نجد هناك اختلافاً بينهم في إثبات العين أو العينان والساق ، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر قول الله تعالى : (( يوم يكشف عن ساق )) بالشدة والكرب ، وهنا نقضٌ للأصل ، وكذلك في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه جل وعلا ، فمن أثبت فيجب عليه الاعتقاد في ذلك ، ومن نفى فيجب عليه الاعتقاد بمدلول النفي فما موقفنا جزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : كان ينبغي أن يكون السؤال بغير هذا التحضير لأن السائل ما أظن نقل رأيي وبنى عليهِ توجيهه لهذا السؤال ، ذلك لأننا نحن الذي ندينُ اللهَ به أنه لا فرق بين ما يُسمى أصولاً وبين ما يُسمى فروعاً.
كلهم وجميعهم أن يكونوا على اتفاق وعلى كلمةٍ واحدة إذا أمكنهم ذلك ، أما وذلك قد لا يمكن أن يكون في الأصول فضلاً عن الفروع ، فحينئذ يعود الأمر إلى المجتهد إن كان قصد الحق فأصابه فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، لا فرق في ذلك كما قلنا بين أصول وفروع .
أما ادَّعاء الاتفاق في كل الأصول بخلاف الفروع فهذا لا أعتقد أن عالماً يقطع بذلك ، كل ما في الأمر أننا نقول :
إن السلف اتفقوا على أن الأصل في صفات الله تبارك وتعالى التي جاءت في الكتاب أو في السنة أن تمرر كما جاءت ولا تؤول ، هذا الذي يمكن أن يقال إنه أمرٌ متفق عليه أو على حدِّ تعبير السائل : إنه أمرٌ نزعمه وندّعيه جازمين بذلك ، ولكن هذا لا ينفي أن يقع بعض الخلاف في بعض المسائل التي تتعلق بهذا المنهج .
والمثال الذي ذكره السائل بتفسير الساق هذا صحيح أنه وقع فيه اختلاف ، ولكن هل هناك خلاف بين هؤلاء الذين قد يختلفون في بعض الجزئيات مما يتعلق بالعقيدة أو بالتوحيد ، هل بينهم خلاف في الأصل في القاعدة ؟ الجواب : لا ، وهذا هو الفرق بين أتباع السلف وبين الخلف ، فالسلف هذه قاعدتهم : " أن يؤمنوا بكل ما جاء عن الله ورسوله دون تأويل ودون تعطيل " ، أما الخلف فالقاعدة عندهم : التأويل وليس هو التسليم ، وقد وُجدت طائفة بين هؤلاء وهؤلاء وهم الذين يسمون بـــــ " المفوضة " : فهم لا يؤمنون مسلمين بالمعاني الظاهرة مِن أدلة الكتاب والسنة المتعلقة بالصفات مع التنزيه ، ولا هم يؤولون كما يفعل الخلف الذين قلنا فيهم في الأمس القريب إنهم يقولون : " إن مذهب السلف أسلم ، ومذهب الخلف أعلم وأحكم " ، فالخلاف ليس في الجزئيات هذا لا يمكن الخلاص منه ، وإنما الأصل في القاعدة ما هي قاعدة السلف ؟
هو الإيمان بكل ما جاء عن الله ورسوله إيماناً بالمعاني الظاهرة المتباينة لغةً من النصوص مع التنزيه، كما في قوله تعالى وهذا دليل مستعمل كثيراً وهو قوله عز وجل : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) : فربنا عز وجل قدم هذه الجملة فقال : (( ليس كمثله شيء )) تنزيهاً ، ليُتبع هذا التنزيه بالإثبات ألا وهو قوله عز وجل : (( وهو السميع البصير )) .
فالآن إذا أردنا أن نسلك طريقة السلف فما يختلفون في فهم السميع البصير إطلاقاً ، لأنهم يعتقدون أن صفة السمع غير صفة البصر ، وأنَّ كلًّا من هاتين الصفتين كسائر الصفات الإلهية نثبتها كما جاءت مفرقين بين صفة وأخرى منزهين لله تبارك وتعالى أن يشبه شيئاً من مخلوقاته .
ما هو موقف المعتزلة المعطلة ؟
إنهم يقولون أو يأخذون بالشطر الأول من الآية : (( ليس كمثله شيء )) تنزيه، لكنهم غلو في التنزيه فعطلوا فقالوا : (( وهو السميع البصير )) أي : العليم ، عطَّلوا هاتين الصفتين لأن الإنسان سميع وبصير فظنوا أنهم فروا أو ظنوا أنهم بسبب فرارهم من إثبات هاتين الصفتين أنهم مع التنزيه دون التعطيل، ولم يلاحظوا أنما مِنه فروا بزعمهم وقعوا في مثله، لأنهم حين يفسّرون السمع والبصر بالعلم فالناس أيضاً فيهم عالم وجاهل، والله عز وجل يقول : (( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) ، فإذاً هناك كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : " اشتراك لفظي وليس اشتراكاً حقيقياً في المعنى " ، فصفة السمع وصفة البصر وصفة العلم هذه الصفات الثلاث اتصف بها ربنا تبارك وتعالى كغيرها مما جاء في القرآن ، لكن كون الإنسان أيضاً يوصف بأنه سميع ويوصف بأنه بصير وقد يقال فيه : عليم ، فذلك لا يعني أن سمعه وبصره وعلمه كسمع الله وبصره وعلمه ، لذلك فحينما فرّ المعتزلة بهذا التأويل للسمع والبصر بالعلم يقال لهم : عطَّلوا صفتين حقيقتين من صفات الله تبارك وتعالى.