الدليل على مشروعية التوسل بالعمل الصالح . حفظ
الشيخ : ولعلَّ مِن المستحسن والمفيد أن نذكّركم ، وقد لا يكون بعضكم سمع بالحديث الذي فيه مشروعية توسل الداعي إلى الله بعمله الصالح وليس بعمل غيره الصالح ، أَلَا وهو حديث عبدالله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال : ( بينما ثلاثة نفر ممن قبلكم يمشون في فلاة ، إذ أصابهم المطر ، فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم ) : صخرة من الجبل : يعني جبل كبير سد عليهم طريق الخروج من الغار ، فهم في مشكلة لا مُغيث لهم إلا الله تبارك وتعالى ، فلما وجدوا أنفسهم محصورين في ذلك الغار ( قال أحدهم : يا هؤلاء ادعُ الله بأعمالكم الصالحة ، توسلوا إلى الله بعمل لكم صالح لعل الله يفرجها عنكم ، فقام أحدهم داعياً فقال : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي ، وكان لي صبيةٌ صغار أرعى عليهم ) : وأظنكم تفهمون بدون شرح هذه الكلمات لأنها عربية أصيلة ( كان لي أبوان شيخان كبيران أرعى عليهم فإذا أرحت حلبت فبدأت بأبوي قبل بني ، فنأى بي ذات يوم الشجر ، فأرحت وقد أمسيت ، فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب وجئت بالحلاب ، فقمت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون مِن الجوع عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ) : بقي واقفاً حيران أيوقظ أبويه ليبدأ بهما كما هي عادته يقول : لعل هذا هو الأفضل لكن لا أريد أن أزعجهما أأبدأ إذاً بالصبية الصغار وهم يتضاغون : يصيحون جوعاً إذاً أبدأ بهما قبل أبوي عاش هكذا منذ المساء حتى الصباح ، وهذا من تمام تبجيله وتقديمه لحق أبويه على أولاده الصغار ، لذلك قال : ( فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، قال : فاللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ، فانزاحت الصخرة شيئاً قليلاً ، ولكن لا يستطيعون الخروج حتى قام الرجل الثاني فقال : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنةُ عم أحببتها كأشد ما يُحب الرجال النساء فطلبتُ منها نفسَها فأبت حتى آتيها بمئة دينار ، قال : فتعبتُ حتى جمعت لها مئة دينار ، فلما وقعت بين رجليها قالت : يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها وتركت لها المئة دينار ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا فرجة ، فانزاحت الصخرة أيضاً شيئاً قليلاً ولكن لا يستطيعون الخروج ) يرون آيات الله واستجابة الله لدعاء عباده الصالحين بأعينهم ولكن لما تتم المعجزة بعد حتى يقوم الرجل الثالث ليقول : ( اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيراً على فَرَقٍ من أرز -يعني كيل من أرز- فلما قضى عمله عرضتُ عليه فرقه فرغب عنه ، قال : فلم أزل أزرعُ هذا الفرق حتى جمعت منه بقرًا ورِعاءا ، ثم جاءني بعد زمن طويل ) : سنين عديدة الظاهر أن الرجل ألمت به مصيبة أو أصاب قومه جوعٌ فتذكر أن له عند ذلك الرجل صاحب المزرعة فَرَق من أرز فذهب إليه وقال له : ( يا عبد الله أعطني حقي ، قال : انظر إلى تلك البقر فاذهب وخذها ، قال : يا عبد الله اتق الله ولا تستهزئ بي ، إنما لي عندك فرق من أرز ، قال اذهب وخذها فإنما تلك البقر مِن ذاك الفرق ، فذهب واستاقها ، فاللهم إن كنت تعلم أنني فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما بقي ، ففرج الله عنهم ما بقي ، وانزاحت الصخرة فخرجوا يتمشون ) :
هذا دليل التوسل الثالث ، وهو توسل المتوسل إلى الله بعمل صالحٍ توفر فيه الشرطان اللذان سبق ذكرهما في الكلمة الأولى وهي : صالح ، لأنكم ترون الرجل الأول يُعنى بخدمة أبيه أكثر من أولاده ، والرجل الثاني هَمَّ بالفجور والزنا بالمرأة الغريبة عنه فلما ذكرته بالله تذكر وانتهى ، وذاك الرجل الغني لم يطمع بالرغم أنه استغل ذلك الفرق فجمع منه مالاً كثيراً فلم يستغل هذا المال لصالح نفسه بل أعاده إلى صاحب الأصل ألا وهو الفرق ، فهذه بلا شك أعمال صالحة جلية .
ثم قالوا في توسلهم : إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء مرضاة الله ، وهذا الإخلاص ولذلك استجاب الله لهم وأنقذهم من ذلك الضيق الذي ألمَّ بهم لا يقدر على تفريج كربهم هذا إلا الله تبارك وتعالى .