ما هو المسوغ لأدائكم صلاة المغرب هنا مع كثرة المساجد وقربها منا ؟ وهل هو مسوغ شرعي يبيح ترك المسجد ؟ حفظ
السائل : فضيلة الشيخ -جزاك الله خيرًا وحفظك الله- يقول : ما هو المسوغ لأدائكم صلاة المغرب هنا مع كثرة المساجد هنا وقربها منا ، وهل هو مسوغ شرعي يبيح ترك المسجد وما هو المسجد المقصود وهل هو الذي تؤدى فيه الصلوات الخمس أما هو وإن كان جائزاً فما هو الأفضل مع التفصيل جزاك الله خيراً ؟
الشيخ : هنا مسألتان :
المسألة الأولى : تتعلق بنا نحن المسافرين ، والمسألة الأخرى تتعلق بكم أنتم معشر المقيمين في هذا البلد .
أما فيما يتعلق بالمسافرين فلا يجب عليهم حضور الجماعة في المسجد ، لأنهم مسافرون ، وهذه مسألة تَبين لي أن كثيراً من الناس لم يُحيطوا بها علماً مع أنهم أحاطوا بمسألةٍ تضاهيها وتشابهها وهي أهم من هذه وعرفوا أنها لا تجب على المسافرين ألا وهي صلاة الجمعة ، ولا يخفى على الجميع أنَّ صلاة الجمعة هي فرضُ عين على كل مصلٍ مقيمٍ ، أما المسافر فهو أحد أربعة أصناف لا تجب عليهم صلاة الجمعة ، ولذلك لما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عرفات وكان ذلك يومَ جمعة لم يصلِّ يوم الجمعة صلاة الجمعة وإنما صلاها ظهراً ، فليس على المسافر صلاة جمعة .
وإذا كانت هذه الحقيقة معروفةً لديكم وانضم إليكم معرفة أخرى وهي : أن صلاة الجمعة آكد مِن صلاة الجماعة فإذا سقطت فرضيتها عن المسافر فبالأولى أن تسقط فرضية صلاة الجماعة عن المسافر ، ولكن ذلك لا يعني أنَّ صلاة الجماعة لا تجب على المسافرين إذا كانوا جماعة وهذا ما فعلناه آنفاً لقوله عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحُويرث : ( إذا سافرتما فأذنا وليؤمكُما أكبركما سنّاً ) : فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هذين الصحابين إذا سافرا أن يؤذنا وأن يقيما جماعةً ويكون الإمام فيها أكبرهما سنّاً ، والظاهر من هذا الحديث أنهما كانا في نسبة واحدة في معرفتهم وحظهم للقرآن ، وإلا فلعلكم تذكرون معي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم للسنة فإن كانوا سواء -في العلم سواء أو في السنة سواء- فأكبرهم سنّاً ) لذلك قال عليه السلام : ( وليؤمكما أكبركما ) فإذاً نستطيع أن نقول : صلاة الجماعة على المسافرين تجب ولا تجب :
تجب عليهم بعضهم مع بعض ، ولا يجب عليهم الحضور إلى المسجد ، لأن الله أسقط عنهم فرضية الجمعة ، فبالأولى أن تسقط عنهم فرضية الجماعة ، هذا فيما يتعلق بالمسافر .
أما المقيمون فلا شكَّ أنه يجب عليهم كلما سمعوا أذان المؤذن في المسجد أن يجيبوه وأن يُسارعوا إلى المسجد ليحضروا جماعة المسلمين لقول رب العالمين : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين )).
إلا أن هناك أثرًا صحيحًا عن إمام السنة الإمام أحمد -رحمه الله- : " أنه كان في مجلس علم فيه من كبار أصحابه وأقرانه في الحديث كيحيى بن معين وغيره ، فلما أُذن لصلاة الظهر أشار بعض الحاضرين إلى أن يقوموا من مجلس العلم ذاك إلى الصلاة فطمأنهم أحمد -رحمه الله- بأننا نحن في مجلس علمٍ فسنصلي هنا جماعة " : أي : إنه اعتبر اشتغاله وأصحابه بالعلم -وهو دراسة الكتاب والسنة كما هو معلوم عن أولئك الأئمة فما كانوا يشتغلون بالرأي وبعلم ليس بالواجب كواجب دراسة الكتاب والسنة- اعتبر ذلك عذرًا لعدم الذهاب إلى المسجد وإقامة الصلاة في ذلك المكان الذي كانوا يتدارسون فيه العلم وقد حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة .
من هنا نرى إذا كنا مقيمين وكنا في مجلس عِلمٍ أنه مِن الأعذار التي تُبيح لهذه الجماعة أن يقيموا الصلاةَ صلاةَ الجماعة في المكان الذي فيه العلم ، وبخاصة إذا كان الجمعُ في ذلك المنزل الذي كان يُدرس فيه العلم أكثر من بعض المساجد ، وهذا يتفق أحياناً -وأنتم على كل حال كما يقال: " أهل مكة أدرى بشعابها "- فلو أننا قمنا مثلاً جميعاً كمقيمين وانطلقنا إلى أقرب مسجد إلينا تُرى أيكون المصلون هناك أكثر أم هنا ؟!
فإذا كان هنا فلا شك أن هذا عذر ثانٍ يسوغ لنا أن نقيم صلاة الجماعة في منزلنا هذا ، لأننا في هذه الحالة جمعنا بين فضيلة العلم وفضيلة الجماعة الأكثر من تلك الجماعة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين ) وهكذا صلاة الأربعة أزكى عند الله تبارك وتعالى من الثلاثة ، فكلما زاد العدد كان أفضلَ ، لكن ينبغي أن نتنبه أخيراً أن هذه الصورة تنبغي أن تكون محصورة في مثل هذا الوضع الذي ذكرناه حتى لا يُتخذ ذلك ذريعةً للتكاسل أو لتسهيل عدم الاستجابة للمؤذن في مسجد من المساجد .
الشيخ : نعم ؟