ما هو الدليل على حرمة التعامل مع البنوك من الكتاب والسنة ؟ وكيف يمكننا البعد عنها علماً بأن الأمة ابتليت بها في زماننا بأكثر المعاملات المالية ؟ حفظ
الشيخ : تفضل.
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم:
سيدي الفاضل نحن نعيش في ظروف حرجة جدًّا، وأصبحت المعاملة بدون تدخل البنك من الأمور المستحيلة فكيف نستطيع أن نتعامل بدون الدخول بالحرام، وما هو الدليل من القرآن والسنة بتحريم التعامل مع البنك ووضع الأموال وتحصيل الفائدة، جزاكم الله خيرًا؟
الشيخ : هذا الكلام مِن حيث الواقع كلامٌ صحيح، بمعنى أنه صار من الصعب جدًّا أن يتعامل المسلم معاملة إسلامية صحيحة خالية من مخالفة الشريعة فيما إذا أراد أن يتوسَّع في كسب المال، ولكن هل هذا عُذرٌ يبيح للمسلم أن يخالف الشرع فيما حرم ؟!
أما دليل عدم جواز التعامل مع البنوك ما دامت أنها تتعامل بالربا المحرَّم بإجماع علماء المسلمين وبنص القرآن والسنة الصحيحة، فالدليل على ذلك هو أولًا قوله تبارك وتعالى: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))، لا شكَّ أنَّ هذا الجواب إنما يوجه إلى كل مسلمٍ مؤمنٍ حقًّا بما جاء في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم الربا سواءٌ قلّ أو كثُر، أمَّا مَن كان في ريب أو في شك من هذا التحريم فهذا يأخذ بحثًا آخر غير البحث الذي طُرح الآن سؤاله ونحن الآن في صدد الجواب عنه، إذا كان مِن المقطوع به أنَّ الربا محرمٌ قليلُه وكثيره حتى قال عليه الصلاة والسلام: ( درهم ربا يأكله الرجل أشدُّ عند الله تبارك وتعالى من ستٍ وثلاثين زَنية ): إذا كانت البنوك تتعامل بهذا الربا المقطوع بتحريمه كما ذكرنا فحينئذٍ الجواب على عدم جواز التعامل مع هذه البنوك إنما هو الآية السابقُ ذكرها ألا وهي قوله تبارك وتعالى: (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )).
فقوله عز وجل في آخر هذه الآية: (( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )): قاعدة إسلامية تضع للمسلمين منهجًا في تعاونهم بعضهم مع بعض أنْ يتعاونوا على الخير وعلى المعروف وألَّا يتعاونوا على المنكر، فإذا كان الربا من الكبائر فلا شكَّ ولا ريب حينذاك أنه يحرم تحريمًا شديدًا التعاون مع الذين يتعاطون الربا في معاملاتهم، ويستبيحونه في تعاطيهم القروض والتجارات ونحو ذلك.
ويؤيد هذا أيضًا مِن قوله عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ): قد يظن بعض الناس أنَّ المحرم مِن الربا هو أن يأكله الآكل ولكن بناءً على القاعدة السابقة أنه لا يجوز التعاون على المنكر قد جاء تفصيل شيء مِن ذلك التعاون على المنكر المتعلق بالربا هذا الحديث الصحيح: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه )، إن هذا الحديث كالتفصيل للآية: (( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) وكل إنسان عنده شيء مِن التفكير في مثل هذه المعاملات المحرمة يعلم يقينًا بقليلٍ مِن الوعي والتفكير أنه لو لم يكن المطعم للربا لم يكن هناك الآكل للربا، لو لم يكن الموكل للربا لم يكن الآكل للربا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله آكل الربا وموكله ) لهذا الارتباط الوثيق الموجود بين الآكل وبين المــــُطعم للحرام، وعَطَفَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك قوله: ( وكاتبه وشاهديه )، ذلك لأنهم تعاونوا على أكل الربا وإطعام الربا، هذا الحديث من الوضوح بمكان أنه كالتفصيل لتلك القاعدة القرآنية: (( ولا تعاونوا عالى الإثم والعدوان ))، وهناك أحاديث أخرى تعتبر زيادة في التفصيل لهذه الآية الكريمة كقوله عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله في الخمرة عشر: شاربها وساقيها ومستقيها وبائعها وشاريها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ) ما أدري إذا كان فاتني العاشر، والشاهد أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع في هذا الحديث أنواعًا مِن الناس لم يشربوا الخمرة، ومع ذلك فقد جمعهم في التحريم بل وفي لعن الله إياهم لأنهم هم السبب في وجود شارب الخمر، فلو لم يكن بائعُ العنب للخمَّار يعصره لم تكن هذه الوسائل ولم تكن هذه الوسائط، ولذلك فينبغي على كل مسلمٍ يؤمن بالله ورسوله حقًّا أن يعلم هذه القاعدة الإسلامية أنَّ المجتمع الإسلامي لا يجوز أنْ يكون متعاونًا على المنكر، بل عليه أن يكون متعاونًا على البر والتقوى.
بعد ذلك يطيبُ للمسلم أن يعيش طيب النفس مطمئن الصدر فقيرًا خير له من أن يعيش غنيًّا يأكل المال الحرام وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( كل جسد غُذِّي بالحرام فالنار أولى به ) وتفرع على ذلك أمور لا يتنبه لها كثير من الناس.