تفسير بعض معاني تقوى الله عزوجل من خلال قصة الثلاثة نفر الذين آووا إلى الغار. حفظ
الشيخ : هناك حديثٌ ثالث ليس له علاقة بموضوع الرِّزق وأنَّ الله عز وجل يسخر للمتقي أبواب الرزق مِن حيث لا يحتسب، لكن له علاقة بأنَّ مَن يتق الله يسخر الله له الجبال ويزعزعها لمجرد أن دعا دعاءً مخلصًا وليس كدعاء آكل الحرام كما سمعتم في الحديث السابق: ( ذكر الرجل أشعث أغبر يرفع يديه يقول: يا رب يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وغُذِّي بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك )، على العكس إذا كان مكسبه ومأكله ومشربه حلال ويتقي الله عز وجل فيما يأتي وما يذر فالله عز وجل أيضًا يُسخر له الجبال يزعزعها مِن أماكنها لو اجتمع أهل الأرض كلهم لما استطاعوا أن يزعزعوا ذلك، أعني: قصة الثلاثة الذين جاء ذكر حديثهم في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بينما ثلاثة نفرٍ ممن قبلكم يمشون، إذ أصابهم المطر، فأووا إلى غارٍ في جبلٍ فانحطَّ على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: يا هؤلاء انظروا أعمالًا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعل الله يفرجه عنكم، فقام أحدُهم وقال: اللهمَّ إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي وكان لي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحتُ حلبت فبدأت بأبويَّ قبل بنيَّ فنأى بي ذات يوم الشجر، فأرحت وقد أمسيت، فحلبت كما كنت أحلُب وجئت بالحِلاب فوجدتهما قد ناما، فقمت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما مِن نومهما، وأكره أن أَسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون مِن الجوع عند قدميّ، قال: فلم يزل ذلك دأبي ودأبَهم حتى طلع الفجر، فإن كنت اللهم تعلم أَنَّي فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا منها فُرجة نرى منها السماء، فانزاحت الصخرة شيئًا قليلًا بقدرة الله تبارك وتعالى، لكن لا يستطيعون الخروج -لتظهر المعجزة بتمامها-، حتى قام الرجل الثاني فقال: اللهم إن كنت تعلم أنَّه كان لي ابنة عمِّ أحببتها كأشدِّ ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائةِ دينار، فلمَّا وقعتُ بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت اللهم تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا منها فرجة، فانزاحت الصخرة شيئًا قليلًا أيضًا، حتى قام الرجل الثالث: فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت استأجرت أجيرًا على فَرَقٍ من أرز -كيل من أرز- فلما قضى عمله عرضت فرقه عليه فَرَغِب عنه -كأنه استقل الأجر- قال: فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورعاءها، ثم جاءني -جاء في بعض الأحاديث أنهم أصابهم سنة قحط- فتذكر أن له كيل من أرز فذهب يطالبه به، فما كان من صاحب العمل إلا أن قال له: اذهب إلى تلك البقر فخذها، قال: يا عبد الله اتق الله ولا تستهزئ بي إنما لي عندك فرق من أرز -وتقول لي هذا البقر كله روح سوقه- لا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز، قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر مِن ذاك الفَرَق، فذهب واستاقها، فإن كنت اللهم تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما بقي، ففرج الله عنهم ما بقي وخرجوا يتمشون ): هذا أثر من آثار تقوى الله تبارك وتعالى، فالمسلمون اليوم ليسوا بحاجة إلى أن يوسعوا أموالهم بارتكابهم ما حرم الله عز وجل، وإنما هم بحاجة إلى أن يتقوا الله تبارك وتعالى فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، وختامًا أكرر الآية: (( ومَن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )).