مناقشة مع بعض الطلاب العلم حول مسألة قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية خلف الإمام. حفظ
السائل : أما مسألة عدم قراءة المقتدي ما اقتنعنا بالذي قلتم: أنه لا يجب إذا جهر الإمام فلا يجب على المقتدي قراءة الفاتحة، الأدلة التي ذكرتم.
الشيخ : نعم، لا بأس مِن ذلك، لأنه إذا كان مَن قبلنا وهم أعلمُ مِنا وأتقى لربنا اختلفوا فنحن أولى أن نختلف، ولكن هم اختلفوا ولم يتفرقوا فنحن سنظل معهم لا نتفرق إن شاء الله، لكن اليوم كنا مع أحد المشايخ هنا مجتمعين فذكرنا هذه القضية فقلنا: يجب أن نجمع بين خصلتين اثنتين كانتا مِن الخصائل الحسنة عند سلفنا الصالح، إحداهما: أنهم كانوا لا يقلدون، وكلٌّ منهم من أهل العلم طبعاً يُفتي بما ترجح لديه من علم، والعامَّة الذين كما يقول الفقهاء: " لا مذهب لهم وإنما مذهبهم مذهب مفتيهم " كانوا لا يتعصبون لأبي بكر أو لعمر، فليس هناك مذهب بكري ولا عمري ولا عثماني ولا عَلَوي، فنحن يجب علينا هكذا علماء وطلاب علم أو عوام أن يكونوا على هذا الخط، ثم مع خلافهم لم يتفرقوا كانت صلاتهم واحدة وجماعتهم واحدة وجمعتهم واحدة ووإلى آخره، بينما المذاهب المتبعة اليوم من الناس قد فرقتهم طرائق شتى، فإذن إذا ما اقتنعنا لا بأس من ذلك، لكن نريد أن نسمع نحن الشبهة التي منعتكم من الاقتناع لعلنا نحن نقتنع بما عندكم.
السائل : والله الذي يظهر أو يحضر ليَ الآن هو الروايات أو بعض الروايات التي ذكرها الإمام البخاري -رحمه الله- في *جزء القراءة*، وبناءً عليها أو بنى على هذه الروايات العلامة الشيخ عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله- صاحب *تحفة الأحوذي* كتابًا له في هذه المسألة اسمه *تحقيق الكلام* بلغة الأوردو وأنا ترجمت وحققتُ هذا الكتاب لكن ما قُدر لي أن أُبيض، فوصل الشيخ إلى نتيجة بعد ذكر الروايات أنه يجب على المأموم أن يقرأ مع الإمام وهذا خصوصية لسورة الفاتحة، وأيضًا ذكر كما تفضلتم في الإجابة أنه لا تُشرع سكتة خاصة مما اعتاده بعض الناس، فالروايات من أوضحها أن النبي صلى الله عليه وسلم فَرَغ من بعض الصلوات التي تجهر فيها القراءة قال: ( لعلكم تقرأون -وفي رواية: ما لي أختلج في قراءتي، لعلكم تقرأون خلفي أو خلف إمامكم قالوا: نعم نهذّ هذا، -وفي رواية أخرى: نعم-، فقال النبي: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة إلا بأم القرآن ) وفي رواية أخرى: ( كانت هذه الصلاة صلاة الفجر )، والرواية في *جزء القراءة* وإسنادها فيما نعرف أنه صحيح، فهذه الرواية صريحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم اختلجوه في قراءته التي في صلاته التي تجهر فيها القراءة، ثم استثنى في هذه الصلاة فقط قال: ( إلا بفاتحة الكتاب )، فالحال يدل أنه يجب أن يقرأ الإمام والمأموم كلهم الفاتحة ولو في الجهرية، هذه أقوى شبهة مما يعترض المسألة.
الشيخ : يعجبني منك فضيلة الشيخ أنك سميت حجتك شبهة، وهذا يسهل علينا ردها، أما لو كانت حجة فصعب علينا ردها.
عندي بعض الملاحظات حول ما ذكرت، أنا أعرضها عليك:
أولًا: تصحيح هذه الرواية فيه نظر، وتصحيح هذه الرواية سلك المصحح مسلك الإغضاء إغضاء النظر أو البصر عن عنعنعةٍ وقع فيها، أنت ذاكرها ؟
السائل : أظن فيه ابن إسحاق.
الشيخ : فيه ابن إسحاق وفي فوق مكحول الشامي صاحبنا ابن بلدنا، هذا مكحول منسوب إلى التدليس هذا من جهة، مِن جهة أخرى يروي هو مكحول يرويه عن عبادة بن الصامت، الحديث عن عبادة، فهو إذا عنعن تكون روايته يعني أقل ما يقال فيها في موضع البحث والنظر، لأنه قد نُسب إلى التدليس، ثم في بعض الروايات ومن طريق ابن إسحاق الذي سميته يسمي رجلًا بينه وبين شيخه، وهذا الرجل مجهول، فإذن الحديث هذا فيه نظر في ثبوته عن الرسول عليه السلام بهذه القصة، أما أصل الحديث فقد سمعتم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وهو متفق عليه، هذا شيء.
والشيء الثاني: إذا افترضنا صحة الحديث وغضضنا الطرف عن العلة التي ذكرناها فالاستدلال بالحديث على الوجوب فيه نظر كبير، لأنك ترى معي بأن الحديث يقول: ( لا تفعلوا ) وهذا نهي، ثم استثنى من النهي: ( إلا بفاتحة الكتاب )، والاستثناء مِن النهي لا يقتضي الوجوب، لا تفعل كذا إلا كذا فهذا استثناء من النهي يفيد الجواز ولا يفيد الوجوب، كما في الآية إذا كنتم تذكرونها لأن حظِّي لا يساعدني إلا بموضع الاستشهاد، تذكرون ما قبل قوله تعالى: (( إلا أن تتقوا منهم تقاة )) تذكرون ما قبلها ؟
السائل : (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة )).
الشيخ : أحسنت فهنا: إلا لا تتخذوا نهي، إلا يفيد الجواز ما يفيد الوجوب فالحديث جاء على هذا الوزان تمامًا: لا تفعلوا لا تقرأوا مطلقًا إلا بفاتحة الكتاب، فهذا كهذا تمامًا، ويؤكد أنَّ هذا الاستثناء لا يفيد الوجوب رواية في *مسند الإمام أحمد* بسندٍ صحيح يقول فيها: ( فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم ): هذا معناه تجويز مرجوح، يعني كما يقولون في بعض البلاد: معليش إذا قرأتم فالفاتحة، فمن أين نأخذ الوجوب في صورة اقتداء المقتدي بالإمام الذي يجهر بالفاتحة؟!
السائل : لكن التعليل ( فإنه لا صلاة ) إلى آخره له اعتبار كبير، فإنه لا صلاة.
الشيخ : هذا صحيح التعليل في بابه، لكن -بارك الله فيك- التعليل مربوط بالاستثناء، فإن كان الاستثناء يقتضي الوجوب وليس الأمر كذلك فالتعليل في بابه، وإن كان الاستثناء هنا كما هو الراجح عندنا: لا يقتضي الوجوب، وإنما تعليل يقتضي استثناء هذا الأمر أي: قراءة الفاتحة من النهي، ( لا تفعلوا إلا أن تقرؤوا بفاتحة الكتاب ) فإنه لا قراءة لمن لم يقرأ، فهذه الجملة تعليلية للاستثناء، وما تضمنه من حكم فإن كان هذا الحكم واجباً فهو تأكيد للوجوب ربطاً بالأصل: ( فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ).
وإن كان لا يفيد الوجوب وإنما الجواز، والجواز المرجوح كما أفادته الرواية الأخرى: ( إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب ) هذا شيء يتعلق بالحديث.
الشيخ : نعم، لا بأس مِن ذلك، لأنه إذا كان مَن قبلنا وهم أعلمُ مِنا وأتقى لربنا اختلفوا فنحن أولى أن نختلف، ولكن هم اختلفوا ولم يتفرقوا فنحن سنظل معهم لا نتفرق إن شاء الله، لكن اليوم كنا مع أحد المشايخ هنا مجتمعين فذكرنا هذه القضية فقلنا: يجب أن نجمع بين خصلتين اثنتين كانتا مِن الخصائل الحسنة عند سلفنا الصالح، إحداهما: أنهم كانوا لا يقلدون، وكلٌّ منهم من أهل العلم طبعاً يُفتي بما ترجح لديه من علم، والعامَّة الذين كما يقول الفقهاء: " لا مذهب لهم وإنما مذهبهم مذهب مفتيهم " كانوا لا يتعصبون لأبي بكر أو لعمر، فليس هناك مذهب بكري ولا عمري ولا عثماني ولا عَلَوي، فنحن يجب علينا هكذا علماء وطلاب علم أو عوام أن يكونوا على هذا الخط، ثم مع خلافهم لم يتفرقوا كانت صلاتهم واحدة وجماعتهم واحدة وجمعتهم واحدة ووإلى آخره، بينما المذاهب المتبعة اليوم من الناس قد فرقتهم طرائق شتى، فإذن إذا ما اقتنعنا لا بأس من ذلك، لكن نريد أن نسمع نحن الشبهة التي منعتكم من الاقتناع لعلنا نحن نقتنع بما عندكم.
السائل : والله الذي يظهر أو يحضر ليَ الآن هو الروايات أو بعض الروايات التي ذكرها الإمام البخاري -رحمه الله- في *جزء القراءة*، وبناءً عليها أو بنى على هذه الروايات العلامة الشيخ عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله- صاحب *تحفة الأحوذي* كتابًا له في هذه المسألة اسمه *تحقيق الكلام* بلغة الأوردو وأنا ترجمت وحققتُ هذا الكتاب لكن ما قُدر لي أن أُبيض، فوصل الشيخ إلى نتيجة بعد ذكر الروايات أنه يجب على المأموم أن يقرأ مع الإمام وهذا خصوصية لسورة الفاتحة، وأيضًا ذكر كما تفضلتم في الإجابة أنه لا تُشرع سكتة خاصة مما اعتاده بعض الناس، فالروايات من أوضحها أن النبي صلى الله عليه وسلم فَرَغ من بعض الصلوات التي تجهر فيها القراءة قال: ( لعلكم تقرأون -وفي رواية: ما لي أختلج في قراءتي، لعلكم تقرأون خلفي أو خلف إمامكم قالوا: نعم نهذّ هذا، -وفي رواية أخرى: نعم-، فقال النبي: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة إلا بأم القرآن ) وفي رواية أخرى: ( كانت هذه الصلاة صلاة الفجر )، والرواية في *جزء القراءة* وإسنادها فيما نعرف أنه صحيح، فهذه الرواية صريحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم اختلجوه في قراءته التي في صلاته التي تجهر فيها القراءة، ثم استثنى في هذه الصلاة فقط قال: ( إلا بفاتحة الكتاب )، فالحال يدل أنه يجب أن يقرأ الإمام والمأموم كلهم الفاتحة ولو في الجهرية، هذه أقوى شبهة مما يعترض المسألة.
الشيخ : يعجبني منك فضيلة الشيخ أنك سميت حجتك شبهة، وهذا يسهل علينا ردها، أما لو كانت حجة فصعب علينا ردها.
عندي بعض الملاحظات حول ما ذكرت، أنا أعرضها عليك:
أولًا: تصحيح هذه الرواية فيه نظر، وتصحيح هذه الرواية سلك المصحح مسلك الإغضاء إغضاء النظر أو البصر عن عنعنعةٍ وقع فيها، أنت ذاكرها ؟
السائل : أظن فيه ابن إسحاق.
الشيخ : فيه ابن إسحاق وفي فوق مكحول الشامي صاحبنا ابن بلدنا، هذا مكحول منسوب إلى التدليس هذا من جهة، مِن جهة أخرى يروي هو مكحول يرويه عن عبادة بن الصامت، الحديث عن عبادة، فهو إذا عنعن تكون روايته يعني أقل ما يقال فيها في موضع البحث والنظر، لأنه قد نُسب إلى التدليس، ثم في بعض الروايات ومن طريق ابن إسحاق الذي سميته يسمي رجلًا بينه وبين شيخه، وهذا الرجل مجهول، فإذن الحديث هذا فيه نظر في ثبوته عن الرسول عليه السلام بهذه القصة، أما أصل الحديث فقد سمعتم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وهو متفق عليه، هذا شيء.
والشيء الثاني: إذا افترضنا صحة الحديث وغضضنا الطرف عن العلة التي ذكرناها فالاستدلال بالحديث على الوجوب فيه نظر كبير، لأنك ترى معي بأن الحديث يقول: ( لا تفعلوا ) وهذا نهي، ثم استثنى من النهي: ( إلا بفاتحة الكتاب )، والاستثناء مِن النهي لا يقتضي الوجوب، لا تفعل كذا إلا كذا فهذا استثناء من النهي يفيد الجواز ولا يفيد الوجوب، كما في الآية إذا كنتم تذكرونها لأن حظِّي لا يساعدني إلا بموضع الاستشهاد، تذكرون ما قبل قوله تعالى: (( إلا أن تتقوا منهم تقاة )) تذكرون ما قبلها ؟
السائل : (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة )).
الشيخ : أحسنت فهنا: إلا لا تتخذوا نهي، إلا يفيد الجواز ما يفيد الوجوب فالحديث جاء على هذا الوزان تمامًا: لا تفعلوا لا تقرأوا مطلقًا إلا بفاتحة الكتاب، فهذا كهذا تمامًا، ويؤكد أنَّ هذا الاستثناء لا يفيد الوجوب رواية في *مسند الإمام أحمد* بسندٍ صحيح يقول فيها: ( فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم ): هذا معناه تجويز مرجوح، يعني كما يقولون في بعض البلاد: معليش إذا قرأتم فالفاتحة، فمن أين نأخذ الوجوب في صورة اقتداء المقتدي بالإمام الذي يجهر بالفاتحة؟!
السائل : لكن التعليل ( فإنه لا صلاة ) إلى آخره له اعتبار كبير، فإنه لا صلاة.
الشيخ : هذا صحيح التعليل في بابه، لكن -بارك الله فيك- التعليل مربوط بالاستثناء، فإن كان الاستثناء يقتضي الوجوب وليس الأمر كذلك فالتعليل في بابه، وإن كان الاستثناء هنا كما هو الراجح عندنا: لا يقتضي الوجوب، وإنما تعليل يقتضي استثناء هذا الأمر أي: قراءة الفاتحة من النهي، ( لا تفعلوا إلا أن تقرؤوا بفاتحة الكتاب ) فإنه لا قراءة لمن لم يقرأ، فهذه الجملة تعليلية للاستثناء، وما تضمنه من حكم فإن كان هذا الحكم واجباً فهو تأكيد للوجوب ربطاً بالأصل: ( فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ).
وإن كان لا يفيد الوجوب وإنما الجواز، والجواز المرجوح كما أفادته الرواية الأخرى: ( إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب ) هذا شيء يتعلق بالحديث.