هل يُشرع في الإسلام جعل مهر الفتاة أو المخطوبة قسمين معجل ومؤجل ؟ حفظ
الشيخ : فإذن فلنصحح السؤال ولنقل: هل يُشرع في الإسلام جعل مهر الفتاة أو المخطوبة قسمين معجل ومؤجل ؟
نقول وقد أجبنا: هذا إذا كان غير ميسور له ذلك، أما الميسور فيجب أن يعجل، لماذا ؟
لقوله تعالى: (( وسارعوا إلى مغفرة مِن ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض )): سارعوا إلى ربكم أي: بالأعمال الصالحة، وإلا ربنا مش جالس على رأس الجبل أو في آخر السهل فنحن نسارع في المشي إليه، وإنما نسارع إلى طاعته لندخل يوم القيامة في جنته، المهر المؤجل في الوقت الذي ليس نظاماً في الإسلام وإنما هو ضرورة أو حاجة، ولذلك يذكر الفقهاء أنَّ الرجل إذا خطب امرأة ولم يضع لها مهرًا فلها مهر أمثالها، يعني فيما بعد، لكن كنظام مهر معجل ومهر مؤجل لا أصل له في الإسلام، وإنما هو كما قلنا إما للحاجة أو للضرورة.
على أنَّه يُصبح هذا النظام ليس فقط على أنه أمر التُزِم وأُحدث في الدين ورسولنا يقول: ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ليس فقط هذا هو ضرره، وإنما هناك أضرار يلمَسُها بعض الذين يدققون في هذه المخالفات، ولعل الكثيرين منكم يعني شاركونا في هذه الملاحظة وهي: في كثير من الأحيان لا يتفق الزوجان على حسن المعاشرة بعد التجربة سنة سنتين أقل أكثر إلى آخره، فيضطر الرجل إلى أن يطلقها وأن يستبدل بها غيرَها ممن هي فيما يظن خيراً منها، ولكن هناك غِلٌّ قيدٌ موضوع في عنقه وهو المهر المؤخر، ومِن فساد هذا النظام المتَّبع في هذه الأيام أنَّ ولي البنت يقنع بأن يكون المهر المعجل شكلياً رمزياً قليلاً جدّاً في الوقت نفسه يضاعف المؤجل أضعافاً كثيرة، فإذا جاء وقت الافتراق لن يستطيع أن يفارقها، لأن أمامه أحد شيئين:
إذا لم يستطع الوفاء فالحبس والسجن، وإن استطاع الوفاء عاد ويده في الأرض كما قال عليه السلام: ( عليك بذات الدين ترِبت يداك )، فإذن مِن مفاسد جعل هذا النظام تقسيم المهر إلى معجل ومؤجل أنه يُفسد العلاقات الزوجية بين الاثنين ويجعلهما ممن يعيش حياة في الجحيم ولا يستطيع أن يفارقها للسبب الذي ذكرناه آنفًا.
بينما لو كان في الأصل دفع المهر قليلاً أو كثيراً ثم لم ترق له الحياة معها أقل الأحوال لعدم وجود التجانس الأخلاقي، كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: أنَّ رجلًا من الصحابة -نسيت الآن اسمه- تزوج امرأة فجاءت بعد مدة تشكو زوجها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطلب منه أن يفرق بينها وبين زوجها فقالت: ( والله يا رسول الله ما أشكو منه من دين أو خلق ) لا أشكو منه شيء، لكن يطول الكلام لأنه ما في تجانس توافق، التباعد في الأخلاق، ولا مؤاخذة الاتصال الجنسي أحياناً ما يصير توافق بين الزوجين، فإذن سيعيشون في حياة الجحيم، مِن أجل ذلك كان من الحكمة الطلاق، لفك المشكلة هذه التي قد يتعرض لها الزوجان، ولهذا الذي تزوج بمهر مؤخر لا يستطيع أن يطلق، ولذلك تضيع عليه حكمة شرعية الطلاق، ولهذا نقول: خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، فمن تزوج فعليه أن يدفع المهر مقدماً مهما كان كثيراً إذا كان مستطيعاً، وإذا كان غير مستطيع فليدفع ما يستطيع، وإذا لم يجد المرأة المتدينة فليدفع ما تيسر له ولينوِ بنفسه أن يقدِّم المؤخر ليس بآخر الأجل، وإنما على ما له يتيسر، هذا جوابي على هذا.