أمثلة على الأسباب التي لا يقبل الجرح بها " من خوارم المروؤة " حفظ
الشيخ : كما روي عن بعض المحدثين القدامى قيل له: " لماذا لا تروي عن فلان؟ قال: لأني رأيته راكبًا يومًا على برذون ": لعل كثيراً منكم لا يعرف البرذون ما هو !
هو فرس من حجم غير حجم الفرس العربي الذي تعرفونه جميعاً، فهو أقصر قامة وأملأ بدنا، ثم إن في مِشيته شيء من الخيلاء يضيق بسببه المسمى خيلًا من الخيلاء، هذا كان موجودًا عندنا إلى عهد قريب في سوريا قبل أن تنتشر استعمال السيارات، وكان يَركب هذا النوع بعض الجباة للأموال مثل الفرانة ونحو ذلك، فترى هذا الراكب على البرذون تمشي به هكذا فهو يختال، هو لا يقصد، لكن طبيعة البرذون هذا أنه يجعل الراكب عليه يختال به لخيلائه هو، الشاهد: كان جوابه بأني رأيته راكباً برذوناً، هذا ليس له علاقة بالجرح، لأن الجرح إنما يثبت بأحد شيئين: إما طعناً فيه في صدقه أو طعنًا فيه في ضبطه وحفظه، أما أنه كان يركب برذوناً فنحن الآن نجد كبار المشايخ يركبون السيارات الفارهة مثلًا فما يعتبر هذا جرحاً وطعناً في عدالتهم أو في روايتهم.
كذلك روي عن بعضهم: " لماذا لا تروي عن فلان؟ قال: إني سمعت من داره آلة طرب ": يمكن أن يكون ما سمعه من الصوت أولًا من جاره وليس من داره، فأنتم تعلمون أن الدور إذا كانت متجاورة بعضها إلى بعض فليس من السهل الحكم بأن هذا الصوت خرج من هذه الدار أو من تلك، وفي مثل هذا الظن لا ينبغي الجرح والطعن، وقد يكون فعلاً الصوت صادرًا من نفس الدار ولكن ممن لا يملك هو أمره، كأن يكون بعض أولاده الناشزين والخارجين عن طاعته فهو بين أن يطرده وبين أن يتمتع به وعلى عِوج كما جاء في بعض الأحاديث، فقد يكون الصوت فعلاً من دار الرجل المحدِّث الذي جُرِح بسبب خروج صوت الآلة من داره ولكن له وجهة نظر في ذلك وله اجتهاد، فكثير من الآباء يُبتلون ببعض الأبناء فهم مثلًا لا يستقيمون على الجادَّة، لنضرب مثلاً واقعياً اليوم:
كثير من الشباب اليوم يتأثرون بالمدنية الغربية فهم يحلقون لحاهم، أحد الأولاد ينشأ في بيت فاضل، رجل صالح والأم صالحة، لكن الولد بسبب مخالطته للمجتمع المتأثر بالعادات الغربية الفاجرة، يحلق لحيته، ينصحه أبوه المرة بعد المرة والكرة بعد الكرة ولا تفيد فيه النصيحة، فماذا يفعل هذا الوالد ؟!
هو بين أمرين اثنين:
إما أن يطرده من داره، وإما أن يبقيه في داره على عُجره وبجره كما يقال، عسى ولعل أن يهتدي فيما بعد، فممكن مثل هذا الولد أن يستعمل العود أو أي آلة من آلات الطرب بدون رضا ذاك الأب، فإذن مجرد أن سمع ذاك المحدث الناقد مثل هذا الصوت مِن مثل هذا الراوي وهو عدل وهو حافظٌ ضابط لكن سمع منه آلة طرب لا يجوز الجرح بمثل هذا السبب.