توضيح وتفصيل لحكم تقبيل يد الأبوين والعلماء الصالحين وبيان أصل ذلك من عدمه في السنة المطهرة. حفظ
الشيخ : تقبيل اليد فذكرتُ أن تقبيل الولد ليدِ أبويه أمرٌ لا أصل له في السنة، بخلاف تقبيل يد العالِم الصالح فله أصل في السنة، جاءت أحاديث يفيد مجموعها أنَّ يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قُبِّلت في بعض الأحيان، كما أنه جاءت آثارٌ أن بعض الصحابة قُبِّلت يدهم أيضًا دون إنكار مِن أحد منهم، فدلَّ ذلك على أنه لا يجوز المبادرة إلى إنكار أصلِ تقبيل اليد، فهذا الأصل ثابت، إلا أنه لا يعني ذلك أو هذا الأصل لا يعني أَنَّه ينبغي لأهل العلم أولاً، ثم لطلاب العلم ثانياً أن يتخذوا ذلك عادة مع علمائهم، ذلك لأن خير الناس إنما هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل من يصح أن تُقَبَّل يده إنما هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحينما لم نجد خيرَ الناس قد اعتادوا تقبيل يد أفضل الرسل دلَّ ذلك على أن تقبيل اليد إنما هو أمر جائز لكنه مرجوح، أي: ليس أمراً مستحباً مندوباً إليه، لأنه لو كان كذلك لفعله خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أفضل الأنبياء وهو رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والنتيجة أن الذي ينبغي أن يعتاده طلاب العلم مع أهل العلم الصالحين إنما هو ما اعتاده خير الناس مع سيد المرسلين، ألَا وهو: ترك تقبيل اليد، وعلى العكس من ذلك أن يجعلوا المصافحةَ بديل التقبيل، لأنه هو الثابتُ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلاً وقولاً:
أما فعله فكما قال بعض الصحابة وأظنه أبا ذر: ( ما لَقِيَنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وصافحنا ): ما لقينا إلا وصافحنا، لكن لم يرد ما لَقِيْنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقبَّلنا يده لا يوجد مثل هذا إطلاقاً، وإنما كانوا إذا لقوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صافحوه كما دل هذا الحديث على ذلك، هذا هو الفعل، أمَّا القولُ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ما مِن مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا تحاتَّت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجر في الخريف ):
فإذن في المصافحة سنة فعلية وسنة قولية، هذه السنة القولية تدل على فضيلة عظيمة لمصافحة المسلم للمسلم، أمَّا التقبيل، تقبيل اليد فحسبه أن يكون جائزًا وجوازًا مرجوحًا، وأعني بكلمة مرجوح يعني يُفعل أحياناً، وهذا كما يقولون في بلاد الشام: " من باب تفشيش الخلق "، لماذا؟ بيكون الإنسان مشتاق للشيخ فبهجم على إيده بيقبلها، ما ينبغي هنا للشيخ إنه يصده، لكن ما ينبغي للشيخ في الوقت نفسه أن يعوِّد أصحابه وتلامذته على تقبيل يده كما هو واقع كثير من المشايخ في بعض البلاد العربية، وقد سنَّ بعضُ هؤلاء الشيوخ سنة سيئة لكثرة ما عوَّد مريديه وأصحابه على تقبيل يده، فهو لكي يرضيَ جمهور تلامذته ولكي يحظى كلٌّ منهم ببركة تقبيل يده فهو ليوفر الوقت على أصحابه يمد يديه كلتيهما، فتجد الناس صفين صف عن يمينه وصف عن يساره، هذا بلا شك مما يُشعر بأن هذا الشيخ قد غرَّر بنفسه أولًا ثم بتلامذته ثانيًا فأوهمهم أن تقبيل يد الشيخ هو مما يقربهم إلى الله زُلفى، والأمر ليس كذلك وبخاصة إذا صار قانونًا وباليدين معًا فهذا ليس له أصل في السنة إطلاقًا.