نجد بعض العلماء كالحافظ ابن حجر وغيره يختلف حكمه على الراوي في بعض المواضع عن حكمه عليه في موضع آخر ، فتارةً يحتجُّ بحديثه في موضع ، ويضعِّفه في موضع آخر فهل عندهم اعتبارات معينة يراعونها في ذلك ؟ حفظ
الشيخ : نعم
السائل : يقول السائل : نجد بعض العلماء كالحافظ ابن حجر وغيره يختلف حكمه على الراوي في بعض المواضع عن حكمه عليه في موضع آخر ، فتارةً يحتجُّ بحديثه في موضع ، ويضعِّفه في موضع آخر فهل عندهم اعتبارات معينة يراعونها في ذلك ؟
الشيخ : الظَّنُّ في مثل هذا أحد شيئين باعتقادي لا ثالث لهما، إما ما هو من طبيعة البشر السهو والخطأ ، وإما أن يكون قد وجد للحديث الذي ضعَّفه شاهدًا أو شواهد يقوِّيه فحسَّنه أو صحَّحه ، ونظرًا لظروفه العلمية الضيقة لم يستطع أن يوضِّح هذا الذي حمله على التَّحسين، لأن الواقع أن الانسان كما قال تعالى : (( خلق ضعيفا )) فهو لا يستطيع أن يستحضر أنه إذا كان ضعَّف إسناد هذا الحديث ، فلما جاءه هذا الحديث نفسه في مكان آخر ، وبدا له أنَّه حديث حسن لغيره أو صحيح غيره ، فهو لا يستحضر أنه في مكان آخر ضعَّفه ، فعليه الآن أن يتداركَ التضعيف فيقول : أنا كنت ضعَّفته لذاته ، والآن تبيَّن لنا أنَّه حسن لغيره ، نحن نفعل هذا كثيرًا ، وربما رأيته كثيراً ما ننقل حديث من * السلسلة الضعيفة * إلى الحسنة ، والعكس بالعكس ، والآن سترون في الطبعة الجديدة في المجلد الأول من * صحيح الترهيب والترغيب * ، ستجدون فيه شيئين متناقضين ، تجدون فيه حذف أحاديث ، أي : إنه ثبت لدينا أنها ليست من شرط * صحيح الترغيب * ، وتجدون فيه حديثًا أو أكثر كان مهجورًا متروكًا في قسم * ضعيف الترغيب والترهيب *، نقلناه من هناك وأودعناه في الطبعة الجديدة ، لأنه تبيَّن لي بعض الشواهد التي تقوِّيه ، لكن هذا ليس من السهل استحضار كل هذه الأمور في كل الأحاديث التي تكون متفرقة الكلام عليها في مواطن عديدة ، فأنا بتصوَّر وخاصَّة الحافظ ابن حجر العسقلاني الذي ملأ الدنيا بعلمه وكتبه ، فليس من السهل أن يستحضر أن هذا الحديث الذي حسَّنه مثلًا في * فتح الباري * وقد ضعَّفه مثلًا في * التلخيص الحبير * مثلًا ، قد لا يتيسَّر له هذا الأمر لينبه كما أفعل أنا في بعض الأحيان ، وإلا أنا مثله أيضًا أنسى وأنسى أكثر منه ، هذا السبب الثاني ، والسبب الأول هو أيضًا سبب وجيه لأنه من طبيعة الإنسان ألا وهو النسيان ، نعم .
السائل : أحيانًا الرجل نفسه يعني ، وأحيانًا يحسِّن له في موضع فلما يأتي حديث آخر ... فيضعفه يعني ويذكر كلام العلماء في تضعيفه ، وفي ذاك الموضع يحسن حديثه ، ويذكر كلام العلماء في توثيقه مثلًا .
الشيخ : هذا الكلام يمكن أن يُجاب عنه بإضافة أخرى ، وهذا موجود فعلًا، هو إذا حسَّنه لا يعني التحسين ذاتيًّا ، حسَّنه بمثل ما ذكرنا آنفًا ، حينئذٍ لا منافاة بين تحسينه وبين تضعيفه وكلامه على الرجل الموجود في إسناد ذاك الحديث ، نحن نعلم بالتتبُّع أنه في كثير من الأحيان هو وغيره يقول في إسناد حديث : " إسناده حسن " ، مع أن الاصطلاح العام أنه إسناد حسن إذا قيل يعني حسن لذاته لكن يتبيَّن أنه خرج عن.
هذا موجود أيضًا فهو في * التقريب * قد يضعِّف ، ويوثِّقه في كتاب آخر ، فيأتي هذا من اختلاف اجتهاد العالم .
وهناك شيء آخر يحسن ذكره ، نبَّه عليه وما وجدت غيره قد نبَّه عليه ألا وهو الحافظ الذهبي ، هذا تنبيه خاص بالحديث الحسن ، يقول الإمام النووي في رسالته التي طبعت حديثًا وفرحت بها كثيرًا ، لكنِّي ما أدري هل استدرك النَّقص ، لأن كتاب * الموقظة * موجود نسخة منها في المكتبة الظاهرية ، وأنا استفدت منها هذه الفائدة التي سأتلوها عليكم ، لكن كنت أتحسَّر لأن فيها نقص في منتصف الرسالة ، ما أدري إذا كان بعضكم قرأ هذه المطبوعة ، ويذكر أنه نبَّه على النقص الموجود في المكتبة الظاهرية ، وأنه استدرك هذا النقص من نسخة أخرى ، أو طبعها من نسخة الظاهرية على عجرها وبجرها . الشاهد هو يقول في هذه الرسالة القيمة وهي في مصطلح الحديث يقول : الحكم على الحديث بالحُسن من أدقِّ أنواع علوم الحديث ، لأن العالم يحار في كثير من الأحيان في طبقة من الرواة ، هل هؤلاء ممَّن يُحسَّن حديثهم أم يُضعَّف ؟ فيقول هو فيما بقي في ذاكرتي : " أن الباحث الواحد تارةً قد يحسِّن ، وتارةً قد يضعِّف " وهذا فعلًا أمر واقع ، لماذا ؟ لأن الإنسان لما يريد أن يُحسِّن حديثًا ، لا بد أن يستحضر ترجمة الراوي الذي تردَّدت أقوال العلماء فيه واضطربت ، فهو إما أن يكون مستحضرًا أقوال العلماء أو غير مستحضر ، فيراجع الكتاب مثلًا * تهذيب التهذيب * للحافظ ابن حجر فيجد هناك تناقض كبير من علماء الحديث في هذا المُترجَم ، لا بد والحالة هذه من أن يلخِّص بكلمة واحدة حول هذه الكلمات الكثيرة ، هذه الكلمة أحيانًا تقول أنّ هذا وسط ، فحديثه في مرتبة الحسن ، أحيانًا يقول هذا ضعيف ، هذا الذي يغلب عليه في أثناء دراسته لهذه الأقوال ، من هنا يضطرب حكم الباحث للحديث الواحد ، فقد يحسِّنه تارةً ويضعِّفه أخرى ، فأنا فرحتُ بهذا كثيرًا ، لأني كنت أشعر بهذه القضية في نفسي ، وفي تجربتي التي تزيد على نصف قرنٍ من الزمان ، فلمَّا وجدتُ هذا التنبيه من هذا الإمام وعلمت إلى أن شعوري بهذه المشكلة كان شعور ذاك الإمام أيضًا ، ولهذا ينفعكم أن تتذكَّروا هذه الحقيقة ولا يشكلنَّ عليكم الأمر ، لأن الأمر فيه دقَّة بحيث أن الباحث الواحد قد يختلف رأيه في الحديث الواحد بسبب الراوي الواحد المختلف فيه .
نعم.