بيان خطأ قول " الأحكام تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان " والصواب في ذلك. حفظ
الشيخ : وهذه أيضًا فائدة أخرى أنبِّهكم عليها : " الأحكام تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان " هذه القاعدة خطيرة جدًّا إذا ما أُطلقت هكذا " الأحكام تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان " ، صواب هذه القاعدة : " الأحكام المستنبطة باجتهاد الأئمَّة "، وليست هي الأحكام التي جاءت منصوصة في كتاب الله وفي حديث رسول الله هذه الأحكام ، حاشا أن تدخل في هذه القاعدة التي تقول : الأحكام تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان ، وإنما هذه الأحكام هي الأحكام التي قالها الأئمة استنباطًا واجتهادًا ، لأن الاستنباط والاجتهاد معرض أولاً للخطأ والصواب بخلاف ما كان منصوصًا في الكتاب والسنة، وثانيًا هذه الأحكام التي قيلت بالاجتهاد والاستنباط رُوعي أثناء الاجتهاد والاستنباط الوضع الذي كان الناس فيه أو عليه فوُضعت هذه الأحكام تتناسب مع ذلك الزمان .
لعله من المفيد أن نضرب مثلًا غريبًا بعض الشيء ، ومبيِّنًا كيف تتغيَّر الأحكام بتغيُّر الزمان والمكان بالقيد السابق ، الأحكام التي تُقال استنباطًا واجتهادًا وليس اعتمادًا على النَّصِّ ، جاء في * شرح الوجيز * للإمام الرافعي من كتب الشافعية المعتمدة ما نصُّه : " لو صلى رجل في أرجوحة - انتبهوا ما يقول - ليست مدعمةً من الأرض ولا معلَّقةً بالسقف " ، سمعتم بهذه الأرجوحة ؟ ليست مستندة على الأرض ولا هي معلَّقة في السقف ، لو صلى في مثل هذه الأرجوحة قال هذا الإمام الفاضل : " فصلاته باطلة " ، لماذا ؟ لأنه يصلي في الفراغ ، " لو صلَّى في أرجوحةٍ ليست مدعمةً من الأرض ولا معلَّقة في السقف فصلاته باطلة " ، الآن هذه الأرجوحة خلقها الله كما قال عز وجل مشيرًا : (( ويخلق ما لا تعلمون )) ، تدرون ما هذه الأرجوحة ؟ الطائرة المعروفة بصورة خاصة بـالهيلوكبتر التي تقف فوق الرؤوس لا تتحرَّك لا تهبط ولا ترتفع ، لا تدور لا يمين ولا يسار ، تُرى لو كان هذا القائل لتلك الكلمة في العصر الحاضر هل يقول أن الصلاة في الطائرة باطلة ؟ ما يقول ، هو تخيَّل شيئًا ما تصوَّره أن يصبح حقيقة واقعة !
ولذلك وقع لي فيما وقع لي من مناقشات ومناظرات مع بعض مشايخ التقليد في بلادنا السورية ، زرت بلدةً هناك في شمال سوريا لأوَّل مرة في سبيل نقل الدعوة من بلد إلى أخرى ، فاجتمع ما شاء الله في المكان الذي نزلتُ فيه ، وكان منهم مفتي البلدة ، وذاك المفتي بطبيعة الحال يقلِّد يُفتي بناءً على مذهبه الشافعي ، ابتدأ الكلام بكلام فيه ترحاب جميل ويعني سياسة لطيفة وإلى آخره ، ولكن هو يمهِّد للغمز واللَّمز ، قال أخيرًا : بلغنا أنَّك لا تقلِّد وأنك تجتهد ، دخلنا معه في حديث ولا يهمُّنا التطويل ، قلت له : يا شيخ ، نحن الآن في عصر حدثت أمور وقضايا جديدة فقد لا يجد الإنسان في كتب الفقه جوابًا صريحًا عن هذه المسألة الحادثة ، فماذا يفعل ؟ يعني قلت له : لا بد من الاجتهاد ، وفتح باب الاجتهاد هذا رحمة من رحمة الله وإغلاقه هو كما قال عليه السلام لذلك الأعرابي الذي بال في مسجده ، ثم كان من خطئه أي ضلاله كما جاء في الحديث : أنه لما غضب من أصحاب الرسول الذين همُّوا به ضربًا حينما رأوه يبول في المسجد النبوي ، وقال لهم عليه السلام : ( لا تزرموه ، إنما بُعثتم ميسِّرين ، ولم تُبعثوا معسِّرين ) تركوه حتى قضى حاجته في المسجد النبوي بول، من خطئه ومن بداوته أنه بعد الصلاة دعا ربَّه كأنه يروي غيظ قلبه من أصحاب الرسول الذين كانوا همُّوا به فقال : " اللهم ارحمني ومحمَّدًا ولا تشرك معنا أحدًا " هؤلاء غلاظ القلوب الذين همُّوا به ، لا تشركهم بالرحمة ، إنَّما " اللهم ارحمني ومحمَّدًا ولا تشرك معنا أحدًا " ، قال له عليه السلام : ( لقد حجَّرت واسعًا من رحمة الله ) .
وهؤلاء الذين ضيَّقوا على الأمة الإسلامية ، وحرَّموا الاجتهاد ، وزعموا أن بابه قد أغلق منذ القرن الرابع من الهجرة ! قلت لهذا الشيخ : كيف تفعل ببعض المسائل التي تنزل اليوم بالمسلمين ؟ قال لي : مثلًا وهنا الشاهد قلت : مثلًا الصلاة في الطائرة ، ماذا تقول تصحُّ أم لا ؟ على البداهة والفور أجاب بالجواب الصحيح : تصحُّ ، قلت له : ما الدليل ؟ قال : قياسًا على الصلاة في السفينة ، قلت : الآن وقعتَ فيما تنقم عليَّ ، قال : كيف ؟ قلت : اجتهدتَ ، مَن سبقك من أهل العلم بأن الصلاة في الطائرة جائزة أولًا ، ثم الدليل على ذلك القياس على الصلاة في الطائرة على الصلاة في السفينة ؟ فبُهت الرجل، قلت : ومن العجب أنك أخطأت من حيث أصبت ، كلام متناقض بطبيعة الحال ويتعجَّب منه ، وأنا أعني ما أقول . قال : كيف ؟ قلت : لما اجتهدتَ أصبتَ ، ولكن لو قلَّدت أخطأت! قال : ما أفهم . قلت فذكرت العبارة السابقة ، قلت : قال الإمام الرافعي في كتابه * الشرح الوجيز * : ( لو أن رجلًا صلَّى في أرجوحة ليست مدعمةً بالأرض ولا معلَّقةً بالسَّقف لم تصحَّ صلاته ) ، هذه هي الطائرة ، فأنت لو قلَّدتَ هذا الإمام لَقلت بأن الصلاة لا تصحُّ ، أرأيت كيف أن الاجتهاد رحمة وليس بنقمة ؟ قال : أنا ما وجدت هذه العبارة ، قلت : قد قيل : " من علم حجَّة على مَن لم يعلم ، ومن حفظ حجَّة على من لم يحفظ " ، ها هو كتاب * شرح الوجيز * للرافعي مطبوع في حاشية المجموع للإمام النووي ، باستطاعتك أن.
لعله من المفيد أن نضرب مثلًا غريبًا بعض الشيء ، ومبيِّنًا كيف تتغيَّر الأحكام بتغيُّر الزمان والمكان بالقيد السابق ، الأحكام التي تُقال استنباطًا واجتهادًا وليس اعتمادًا على النَّصِّ ، جاء في * شرح الوجيز * للإمام الرافعي من كتب الشافعية المعتمدة ما نصُّه : " لو صلى رجل في أرجوحة - انتبهوا ما يقول - ليست مدعمةً من الأرض ولا معلَّقةً بالسقف " ، سمعتم بهذه الأرجوحة ؟ ليست مستندة على الأرض ولا هي معلَّقة في السقف ، لو صلى في مثل هذه الأرجوحة قال هذا الإمام الفاضل : " فصلاته باطلة " ، لماذا ؟ لأنه يصلي في الفراغ ، " لو صلَّى في أرجوحةٍ ليست مدعمةً من الأرض ولا معلَّقة في السقف فصلاته باطلة " ، الآن هذه الأرجوحة خلقها الله كما قال عز وجل مشيرًا : (( ويخلق ما لا تعلمون )) ، تدرون ما هذه الأرجوحة ؟ الطائرة المعروفة بصورة خاصة بـالهيلوكبتر التي تقف فوق الرؤوس لا تتحرَّك لا تهبط ولا ترتفع ، لا تدور لا يمين ولا يسار ، تُرى لو كان هذا القائل لتلك الكلمة في العصر الحاضر هل يقول أن الصلاة في الطائرة باطلة ؟ ما يقول ، هو تخيَّل شيئًا ما تصوَّره أن يصبح حقيقة واقعة !
ولذلك وقع لي فيما وقع لي من مناقشات ومناظرات مع بعض مشايخ التقليد في بلادنا السورية ، زرت بلدةً هناك في شمال سوريا لأوَّل مرة في سبيل نقل الدعوة من بلد إلى أخرى ، فاجتمع ما شاء الله في المكان الذي نزلتُ فيه ، وكان منهم مفتي البلدة ، وذاك المفتي بطبيعة الحال يقلِّد يُفتي بناءً على مذهبه الشافعي ، ابتدأ الكلام بكلام فيه ترحاب جميل ويعني سياسة لطيفة وإلى آخره ، ولكن هو يمهِّد للغمز واللَّمز ، قال أخيرًا : بلغنا أنَّك لا تقلِّد وأنك تجتهد ، دخلنا معه في حديث ولا يهمُّنا التطويل ، قلت له : يا شيخ ، نحن الآن في عصر حدثت أمور وقضايا جديدة فقد لا يجد الإنسان في كتب الفقه جوابًا صريحًا عن هذه المسألة الحادثة ، فماذا يفعل ؟ يعني قلت له : لا بد من الاجتهاد ، وفتح باب الاجتهاد هذا رحمة من رحمة الله وإغلاقه هو كما قال عليه السلام لذلك الأعرابي الذي بال في مسجده ، ثم كان من خطئه أي ضلاله كما جاء في الحديث : أنه لما غضب من أصحاب الرسول الذين همُّوا به ضربًا حينما رأوه يبول في المسجد النبوي ، وقال لهم عليه السلام : ( لا تزرموه ، إنما بُعثتم ميسِّرين ، ولم تُبعثوا معسِّرين ) تركوه حتى قضى حاجته في المسجد النبوي بول، من خطئه ومن بداوته أنه بعد الصلاة دعا ربَّه كأنه يروي غيظ قلبه من أصحاب الرسول الذين كانوا همُّوا به فقال : " اللهم ارحمني ومحمَّدًا ولا تشرك معنا أحدًا " هؤلاء غلاظ القلوب الذين همُّوا به ، لا تشركهم بالرحمة ، إنَّما " اللهم ارحمني ومحمَّدًا ولا تشرك معنا أحدًا " ، قال له عليه السلام : ( لقد حجَّرت واسعًا من رحمة الله ) .
وهؤلاء الذين ضيَّقوا على الأمة الإسلامية ، وحرَّموا الاجتهاد ، وزعموا أن بابه قد أغلق منذ القرن الرابع من الهجرة ! قلت لهذا الشيخ : كيف تفعل ببعض المسائل التي تنزل اليوم بالمسلمين ؟ قال لي : مثلًا وهنا الشاهد قلت : مثلًا الصلاة في الطائرة ، ماذا تقول تصحُّ أم لا ؟ على البداهة والفور أجاب بالجواب الصحيح : تصحُّ ، قلت له : ما الدليل ؟ قال : قياسًا على الصلاة في السفينة ، قلت : الآن وقعتَ فيما تنقم عليَّ ، قال : كيف ؟ قلت : اجتهدتَ ، مَن سبقك من أهل العلم بأن الصلاة في الطائرة جائزة أولًا ، ثم الدليل على ذلك القياس على الصلاة في الطائرة على الصلاة في السفينة ؟ فبُهت الرجل، قلت : ومن العجب أنك أخطأت من حيث أصبت ، كلام متناقض بطبيعة الحال ويتعجَّب منه ، وأنا أعني ما أقول . قال : كيف ؟ قلت : لما اجتهدتَ أصبتَ ، ولكن لو قلَّدت أخطأت! قال : ما أفهم . قلت فذكرت العبارة السابقة ، قلت : قال الإمام الرافعي في كتابه * الشرح الوجيز * : ( لو أن رجلًا صلَّى في أرجوحة ليست مدعمةً بالأرض ولا معلَّقةً بالسَّقف لم تصحَّ صلاته ) ، هذه هي الطائرة ، فأنت لو قلَّدتَ هذا الإمام لَقلت بأن الصلاة لا تصحُّ ، أرأيت كيف أن الاجتهاد رحمة وليس بنقمة ؟ قال : أنا ما وجدت هذه العبارة ، قلت : قد قيل : " من علم حجَّة على مَن لم يعلم ، ومن حفظ حجَّة على من لم يحفظ " ، ها هو كتاب * شرح الوجيز * للرافعي مطبوع في حاشية المجموع للإمام النووي ، باستطاعتك أن.