بيان أن الوصية تكون بالمادي والمعنوي وأن تكون شرعية . حفظ
الشيخ : ولكن للفقه والنظر الصحيح مجال واسع لتوسيع معنى الوصية من باب القياس الأولوي لأنه إذا كان يجب على من كان له شيء أو عنده شيء أن يوصي على التفصيل الذي ذكرناه آنفا وهي وصية مادية فهنا نقول لابد أن يوصي بوصية معنوية شرعية فيما إذا كان يعلم أن أهله وأقاربه هم بحاجة إلى مثل تلك الوصية ولا شك أننا في هذا العصر في حاجة بالغة لأن يوصي كل منا أهله بما يعلم من أنهم قد يقصرون فيه حينما يأتيه الأجل واليقين.
هناك مثلا حديث عمر بن الخطاب وابنه عبدالله والمغيرة بن شعبة جماعة من الصحابة كلهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) هذا أمر خطير ومن خطورته أنه أشكل على بعض السلف فضلا عن كثير من الخلف ومن السلف أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فإنها بادرت إلى إنكار هذا الحديث وإلى نسبة الوهم إلى الصحابي ابن عمر الذي روى هذا الحديث ( فقالت وهم ابن عمر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في رجل من اليهود بكا عليه أهله ) ويبدو بادي الرأي أن هذا التأويل من السيدة عائشة رضي الله عنها معقول ومقبول لاسيما وقد أتبعت ذلك بقولها كيف والله تبارك وتعالى يقول (( لا تزر وازرة وزر أخرى )) فكيف يعذب الميت ببكاء أهله عليه تقول إن هذا الحديث على ظاهر رواية ابن عمر له خلاف الآية ولذلك حملت الحديث على رجل من اليهود يستحق العذاب .
لكن العلماء الذين تتبعوا هذا الحديث واستخرجوا له طرقا كثيرة وصحيحة عن جماعة من الصحابة ذكرت منهم آنفا بالإضافة إلى ابن عمر أباه عمر والمغيرة بن شعبة قالوا لا يمكن أن يكون هؤلاء الجماعة وهم من كبار الصحابة أن يكونوا أخطأوا في رواية الحديث
إذن لابد من تخريج الحديث تخريجا يتفق أولا مع ظاهر الحديث أي لا يحمل على اليهود كما فعلت السيدة عائشة ثم لا يختلف ولا يتناقض مع الآية التي استدلت فيها السيدة عائشة .
فذهب جماهير العلماء إلى أن هذا الحديث يمكن تفسيره بمعنيين .
أحدهما يعذب في القبر ولكن العذاب هنا ليس بمعنى العقاب وإنما بمعنى التألم والحزن وهذا كأنه أمر طبيعي لكن هذا في الحياة الدنيا بمعنى أو هذا المؤول يقول أو يتصور أن الميت إذا مات وبكى أهله عليه علم الميت ببكائهم فحزن لحزنهم هذا أمر طبيعي في الدنيا .
آخرون قالوا هذا المعنى ليس هو المراد وإنما المقصود هو العذاب فعلا ولكن هذا العذاب إنما يلحق من كان وهنا الشاهد هنا بيت القصيد كما يقال في الاستشهاد بهذا الحديث بمناسبة الوصية التي أردنا توسيع معناها قالوا الميت يعذب ببكاء أهله عليه إذا لم ينههم وإذا لم يوصهم بأني إذا مت فلا تصيحوا ولا تنوحوا ولا تندبوني ولا كذا وكذا فإذا لم يفعل ذلك أصابه العذاب بسبب تقصيره في حالة كونه في دار التكليف دار الدنيا أما إذا قام بواجبه فليس عليه من عذاب .
فالميت يعذب إذن الميت ليس للاستغراق والشمول فليس معنى الحديث كل ميت وإنما أل للعهد الميت الذي لا يوصي أهله ولا يحذرهم من مخالفتهم للشرع بسبب بكائهم أو غير ذلك من الأمور المنكرة التي تتعلق اليوم بتشييع الموتى والجنائز فالميت الذي لا يوصي مثل هذه الوصية الشرعية وهو على علم بأن الناس يخالفونها فهذا الذي يستحق مثل ذاك العذاب.
وإتماما للكلام حول هذا الحديث أقول إن المعنى الأول الذي هو تفسير العذاب بمعنى الأسى والحزن والتألم وإن كان قاله رجل من كبار علمائنا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولكننا كما تعلمون جميعا لسنا تيميين لا نتعصب لإنسان على وجه الأرض مهما سما وعلا سوى رسولنا صلوات الله وسلامه عليه لأنه معصوم وما سواه ليس بمعصوم وهذا هو الدليل .
هذا رجل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أقل العلماء عندنا خطأ ولكن مع ذلك ليس معصوما ومن خطئه تأويله للحديث السابق الميت يعذب أي يتألم واستدل على ذلك بدليل قد يسلك وقد يمشي لولا أن هناك رواية في صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله يوم القيامة ) فهذا الظرف أبطل ذاك التأويل لأننا إن سلمنا بأن الميت يتألم يتألم في القبر أما في الآخرة فليس هناك إلا أحد شيئين إما نعيم وإما جحيم .
على أنه يرد على ذاك التأويل والتفسير منكر أو اعتراض آخر وهو أننا نعلم أن الميت إذا مات خلاص صار كالحجارة وكالأتربة التي حوله لا يسمع شيئا ولا يحس بشيء إطلاقا وهذا طبعا بحث لا أريد أن أخوضه لاسيما وقد توسعت فيه بعض الشيء في مقدمتي لرسالة " الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات " .
إذن فالوصية هنا يجب أن نفهمها من حيث النص خاصة بما له أو عليه من مال ومن حيث الفقه يجب أن نفهمها بأعم من ذلك وأنه يجب على كل مسلم أن يوصي أهله بما يعرف أنهم بحاجة إلى أن يوصوا به .
مثلا إذا عرف رب البيت بأن أهله يحبون أن يشايعوا الناس في عاداتهم وتقاليدهم أن يخرجوا الميت مثلا مع الزهور ومع الصياح ونحو ذلك فيجب عليه أن يوصي بأنه يطلب منهم أن تشيع جنازته على السنة لا زهور ولا صياح ولا سيارات ولا أي شيء حسب ما جاء في السنة الصحيحة وحسب ما هو مبين في بعض كتب السنة ومنها كتابي أحكام الجنائز وبدعها.