باب : " باب من لم يجد المكافأة فليدع له " . شرح حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما : ( أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله قال : لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم به ) حفظ
الشيخ : من هذا الباب ما أتبعه المصنف بالباب الحادي عشر بعد المئة وهو قوله : " باب من لم يجد المكافأة فليدع له " هذا الباب هو معنى فقرة من فقرات حديث ابن عمر السابق لكن تحت هذا الباب يأتيها المصنف رحمه الله بحديث آخر يرويه بإسناده الصحيح عن أنس وهو أبو مالك ( أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله قال : لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم به ) هذا حديث طريف يبين أن كل مجتمع لا بد من أن يكون فيه أغنياء وفقراء، لا بد من أن يكون فيه من يحسن ومن يحسن إليه وهذا ما وقع في الصحابة .
بعض الصلوات ( فبلغ ذلك الفقراء فعاد رسولهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالوا يا رسول الله بلغ الأغنياء ما ذكرت لنا أو ما قلت لنا ففعلوا مثل ما فعلنا فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) فالغرض من هذا وهذا ليس المقصود هو ما يزينه دعاة الاشتراكية للناس اليوم من التسوية التامة بين الناس هذا أمر مستحيل ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) ولكن المسلم الفقير الذي يجد حسرة في نفسه ألا يجد ما يتصدق به يجد من الوسائل ومن التشريعات الكثيرة التي شرعها الرسول عليه السلام ما لو قام بها لاستغنى غناء أكثر من غناه من كثير من الأغنياء الذين يكسبون الأجور بالأموال، فهذا الحديث بين الرسول عليه السلام أن هذه التسبيحات والتحميدات والتكبيرات ( لو فعلتم ذلك سبقتم من قبلكم ولن يدرككم إلا من فعل مثل فعلهم ) وفي حديث آخر أنه قال لهم عليه السلام : ( إن لكم بكل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ) إلى آخر الحديث ، فإذن الذي لا يجد قروشاً يتصدق بها يجد مجالاً لأن يذكر الله ويسبحه ويكبره فيكسب بذلك ما شاء الله من الصدقات في الوقت الذي نجد أكثر الأغنياء قد تفرغوا بكليتهم لجمع المال، ولذلك تجد منهم الأقل من القليل من يتغفرغ للطاعة خاصة الإكثار من النوافل، لأنهم لا يجدون هذا الوقت الذي صرفوه في سبيل جمع المادة فاصرفها أنت أيها الفقير في سبيل ذكر الله عز وجل وتسبيحه وتكبيره وتحميده فتكسب بذلك من الصدقات ما يعجز عن مثلها أولئك الأغنياء.
الشاهد في هذه الأحاديث: أن الرسول عليه السلام يؤدب طائفتين من الناس الأغنياء والفقراء ، الأغنياء القادرين على إغاثة المستغيثين وإعاذة المستعيذين وإعطاء السائلين فيأمرهم بأن يعيذوا من استعاذ بهم وأن يعطوا من سألهم هذا هو القسم الأول من المجتمع أغنياء.
ثم يربي عليه الصلاة والسلام القسم الثاني من المجتمع ألا وهم الفقراء، لأنهم إن استطاعوا مقابلة المكافأة بمثلها فبه، إن لم يستطيعوا فليثنوا خيراً على الذي أحسن إليهم وليكثروا لهم من الدعاء حتى يعلموا أنهم قد كافؤوه، وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.