شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( مر رجل بشوك في الطريق فقال لأميطن هذا الشوك لا يضر رجلاً مسلماً فغفر له ). حفظ
الشيخ : ثم ساق بعده حديثاً آخر كمثال من أمثلة إماطة الأذى عن الطريق فروى بإسناده الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مر رجل بشوك في الطريق فقال لأميطن هذا الشوك لا يضر رجلاً مسلماً فغفر له ) .
هذا حديث مما وقع والظاهر أنه وقع فيما قبل الرسول عليه السلام أن رجلاً من الصالحين مر بشوك في الطريق فقال لأميطن هذا الشوك لأزيلنه من الطريق خشية أن يتضرر به أحد من المارة، فكان جزاؤه من الله تبارك وتعالى أن غفر له ، فهذا من فضائل إماطة الأذى عن الطريق أن هذا الرجل بمجرد أنه أزال الشوك من الطريق قاصداً بذلك دفع الأذى عن المسلمين استحق مغفرة الله تبارك وتعالى بسبب ذلك، ومن هذا الحديث وأمثاله نأخذ فائدة هامة ألا وهي أن المسلم ليست عبادته وتقربه إلى الله تبارك وتعالى محصورة بالقيام بما فرض الله عليه من عبادات أو شرع له واستحبه له من طاعات، بل هناك أمور تتعلق بالأوضاع الاجتماعية التي للمسلم بها علاقة يكتسب بها رضى الله تبارك وتعالى ومغفرته وهي ليست من العبادات الواضحة الصريحة، فها هنا مثال أن رجلاً بمجرد أنه أزال الشوك من الطريق فقد استحق غفران الله تبارك وتعالى ورحمته، فإزالة الشوك في الطريق من الذي لا يتبادر من الذهن أنه عبادة وصلاح، ولكن الله تبارك وتعالى الذي جمع في هذا الإسلام كل الفضائل وكل المحاسن قد جعل من العبادات التي يكسب بها المسلم مغفرة الله أن يميط الأذى عن الطريق، وعلى هذا فالمسلم إذا خرج من بيته إلى دكانه إلى معمله إلى وظيفته ثم عاد ولم يصل إلا الظهر مثلاً لكنه مع ذلك فهو يستطيع في ذهابه وإيابه في بقائه في دكانه ومعمله أن يحصل على كثير من العبادات التي يستحق ببعضها مغفرة الله تبارك وتعالى، فمن منا مثلاً لا يتعثر في الطريق بقشرة موز فيغلب على ظنه بأن إنساناً لا سيما إذا كان طفلاً صغيراً إذا وطأ على هذه القشرة زلت به القدم، فإذا أماطها عن الطريق إلى جانب الرصيف فهو بهذه الحركة البسيطة يستحق مغفرة الله تبارك وتعالى، فضلاً عما إذا رأى محتاجاً إلى الإعانة حمالاً قد عجزت دابته عن النهوض بعد أن عثرت فهو يخفف عنها يساعده في إقامتها وإنقاذها من عثرتها، فكل هذه الأعمال هي في نظر الإسلام تعتبر من العبادات، فليست الصلاة وليست الصدقة فقط هي العبادات بل كما سبق معنا في الدروس الماضية: ( كل معروف صدقة ) وبعض هذه الصدقات مما يستحق بها مغفرة الله تبارك وتعالى ولو أنها كما يقال اليوم لا تعبئ العين ، شوك أزاله ذلك الرجل من الطريق فغفر الله له، وكما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن الله عز وجل غفر لمومس لبغي مومس لأنها كانت تمشي في الطريق فأصابها العطش فنزلت في بئر فشربت منه، فلما صعدت إلى ظهر الأرض إذا بها ترى كلباً يأكل الثرى من العطش أي التراب، فقالت في نفسها : لقد أصاب هذا الكلب من العطش ما أصابني ثم وضعت نعلها في فمها ونزلت إلى البئر فملأته ثم قدمت الماء الباقي في ذلك النعل فشرب الكلب حتى ارتوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فشكر الله لها فغر لها ) فإذن مجال المسلم في حياته في منطلقه في حياته حيثما كان وحيثما ذهب ليحظى بمغفرة الله عز وجل مجال واسع وواسع جداً وذلك من فضل الله عليها وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .
السائلة : ...
الشيخ : أختي مثل هذه الشبهة ترد في كثير من المسائل والفضائل والجواب على هذا أن الغرض من مثل هذه الأحاديث هو الحض على فضائل الأعمال، ولكن ليس كل من صلى مثلاً غفرت له ذنوبه يقيناً ليس كل من أماط الأذى عن الطريق غفرت له ذنوبه يقيناً بل ليس كل من حج إلى بيت الله الحرام ذلك الحج الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) كذلك في الصلوات مثلاً الصلوات كفارات لما بينهما هذه الفضائل هي أولاً لحض المسلم على القيام بهذه الأعمال الفضائل.
ثانياً: الحصول على ثوابها ليس أمراً مقطوعاً به بالنسبة لكل فرد من أفراد المسلمين، نحن لولا هذا الحديث الصحيح الذي يحدثنا بأن ذلك الرجل لما أزال الشوك عن الطريق غفر الله له ما يدرينا نحن أن الله عز وجل قد غفر له ، ثم إذا أزال مسلم آخر شوكاً من الطريق ترى هل الله عز وجل غفر لهذا أم لا ؟ كل ما عندنا أننا نأمل ونرجو من فضل الله عز وجل أن يغفر لهذا الذي آماط الأذى عن الطريق أو فعل كل تلك الفضائل التي جاءت فيها تلك المراتب، فليس عندنا يقين أن من فعل كذا غفر له لأنه ليحصل على المغفرة يجب أن يفعل ما فعل بشروط أهمها الإخلاص لله تبارك وتعالى بما فعل والإخلاص درجات لا يعلمها إلى الله تبارك وتعالى فمن توفر فيه الإخلاص بالعمل المرغوب فيه والذي رتب الشارع عليه المغفرة فهو الذي سيحظى بالمغفرة، فمن أين لنا أن كل إنسان يميط الأذى عن الطريق كان في ذلك مخلصاً لله تبارك وتعالى، بل لعل كثيراً من الناس يفعلوا ما يفعلون لا يخطرون في بالهم مغفرة الله كما يقولون اليوم مثلاً فلان يطلب العلم للعلم هذا إذا ما قيل يطلبه للمال والجاه والمنزلة عند الناس إنما يطلب العلم للعلم هذا كلام لا قيمة له إطلاقاً في ميزان الشرع الذي قال : (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) لذلك فمناط استحقاق هذه المراتب والفضائل يعود بعد العمل الصالح إلى الإخلاص فيه والإخلاص مما يعز في الناس ، ولذلك فالمسلم يعتبر هذه الأحاديث من الدوافع والحوافز له على العمل الصالح ثم رجوا من الله تبارك وتعالى أن يحظى على مثل هذه المغفرة التي حدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض من سبقنا من الناس .