الرد على من قال من المستشرقين بأن الإسلام ينهى عن العمل الدنيوي. حفظ
الشيخ : وقد مضى أيضاً معنا بعض الأحاديث أن اليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة، فإذن تأويل هذا الحديث أي حديث البخاري لما رأى الرسول عليه السلام السكة فقال : ( ما دخل أرض قوم إلا ذلوا ) بأنه ينهى عن العمل عن كسب القوت بالوسائل المشروعة هذا تأويل باطل، إذن ما المقصود من هذا الحديث ؟ هو المقصود نفسه من حديث : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ) أي لا تتكلبوا لا تتكالبوا وراء الوسائل المادية فقد تصرفكم عن القيام بالواجبات الدينية، وكأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينظر من وراء الحجب من وراء الغيب حينما قال هذا وذاك حينما قال: ( لا تتخذوا الضيعة فرغبوا في الدنيا ) وحينما قال : ( ما دخل هذا أرض قوم إلا ذلوا ) فنحن نرى اليوم أن المسلمين الذين كانت شكاوى المصلحين منهم والدعاة الإسلاميين تعلوا أضواتهم في سبيل حض المسلمين على الأخذ بوسائل الحياة ووسائل النهوض والانتعاش الاقتصادي كانوا قبل قريب من نصف قرن من الزمان يحضون المسلمين على أن يعملوا كما يعمل هؤلاء الكفار حتى يعزوا كما عزوا، وإذا بنتيجة هذه الصيحات تعطي رد فعل فقد أصبح المسلمون اليوم لا يهتمون لشيء اهتمامهم بدنياهم بتأمين وسائل العيش لهم بالتكالب عليها وفي سبيل ذلك يعرضون عما فرض الله عليهم مما يجمعها كلمة التقوى، فهم لا يتقون الله عز وجل في طرق اكتسابهم لمعايشهم، وأبرز ذلك أننا لا نكاد نجد تاجراً ولا مزارعاً ولا صاحب مهنة إلا ويتعاطى الربا، وحينما نجادله ونذكره بالأحاديث والآيات الواردة في النهي عن الربا يقول معتذراً: لماذا نعمل إذا ما تعاملنا بالربا بارت تجارتنا ولم نستطع أن نسعى في معاشنا؟ فمنطق هؤلاء أنه لا طريق لكسب المعاش الحلال إلا بطريق الحرام، وهذه دعوى من أبطل ما تصدر من مسلم الذي يقرأ قول الله تبارك وتعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ًويرزقه من حيث لا يحتسب )).
خلاصة القول : أن الإسلام لا ينهى عن تعاطي أسباب المعاش لكن بشرطين اثنين:
الشرط الأول : أن لا يتكالب عليها المسلم فتصرفه عن القيام بواجبات أخرى .
والشرط الثاني : أن يكون سعيه في حدود الشرع فلا يبيع ما لا يجوز بيعه ولا يتعاطى في معاملة من معاملاته مع الدولة أو مع الناس بما لا يجوز كالربا الذي ضربنا به مثلاً آنفاً.
إذن قول المصنف هاهنا: " باب الخروج إلى الضيعة " فيه إشعار بجواز خروج المسلم إلى ضيعته إلى مزرعته كوسيلة من وسائل معاشه، لأن أبا سعيد الخدري خرج إلى نخيله وهو صحابي جليل مشهور فعمله يصور لنا جزءاً مما جاء به الشارع وهو الخروج للسعي وراء الرزق.
ويكفي في الحض على العمل بالشرطين السابقين أن لا نتكالب عليه فينسينا بعض الواجبات، وأن لا نتعاطى الوسائل المحرمات يكفي في الحض على العمل وعلى الزرع بصورة خاصة قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فلا يدعها حتى يزرعها ) هذه مبالغة عظيمة جداً في حض الرسول عليه الصلاة والسلام على تعاطي أسباب الزراعة وكسب الرزق الحلال فيقول : إذا سمع أحدكم بأن الساعة قد قامت على الناس وكان هو يتهيأ لزراعة شتل من المشاتل التي عنده فبينما هو أخذها يريد أن يزرعها وإذ اضطربت الدنيا وقامت الساعة، لا يقول هاي الساعة قامت بقا أنا شو معيشني بعدها فلا يضعها بل يزرعها، هذه مما جاءت السنة في الحض على تعاطي أسباب الرزق وبصورة خاصة بطريق الزرع، ولذلك فالإسلام لا ينهى أبداً عن تعاطي أسباب الرزق، ولكنه يريد أن يكون ذلك بعدل وتوسط فلا هو يضيع أهله بسبب إهماله لتعاطي أسباب الرزق ولا هو يغرق أهله في الرزق بسبب تكالبه عليه فينسى وينسى أهله معه ما أوجب الله عليهم من القيام بالواجبات، والحديث السابق : ( وتركتم الجهاد في سبيل الله ) فيه تصريح بأن الأخذ بأذناب البقر والرضا بالزرع الذي يؤدي إلى ترك الجهاد في سبيل الله إذا فعل ذلك المسلمون سلط الله عليهم ذلاً لا ينزعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم، وهذا هو الواقع أكبر دليل على صدق الرسول عليه السلام فيما أخبر به فقد سسلط الله على المسلمين ذل اليهود في بلاد الإسلام (( وما ربك بظلام للعبيد )) لم هذا ؟ لأنهم تكالبوا على الدنيا ولم يعد يهمهم إلا الحصول على المال ومن الأمثلة التي وقعت في نفس أرض فلسطين هو مبادرة كبار أصحاب الأراضي في فلسطين على بيع أراضيهم لليهود أنفسهم الذي هذا البيع الذي كان من أقوى أسباب التمكين لليهود في أرض فلسطين، فأخذوا يشترونا بأغلى الأثمان فكان أولئك الأغنياء أصحاب الأراضي يبيعونها لهم طمعاً فيما لديهم من المال، فكان عاقبة ذلك أن طردوا من أموالهم ومن أراضيهم ولم يبق لهم إلا الخزي والعار نسأل الله السلامة، هذا تعليقنا على أثر أبي سعيد الخدري وخروجه مع صديقه إلى النخل.
أما قوله في هذا الحديث : " فخرج وعليه خميصة له " الخميصة هي ثوب معلَّم مخطط أشبه ما يكون بما يعرف حتى يوم في البلاد الشامية ... .