تتمة لباب " باب الانبساط إلى الناس " تتمة شرح حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( ... ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ) . حفظ
الشيخ : ( أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال : فقال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً )) وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفوا ويغفر، ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتحوا بها أعيناً عمياً وآذاناً صما وقلوباً غلفاً ).
وصل بنا الكلام على هذا الحديث الدرس الماضي إلى قوله : " سميتك المتوكل " وذكرنا بشيء من البسط والتفصيل أن كون الرسول عليه الصلاة والسلام سماه ربه تبارك وتعالى بالمتوكل لا يعني ذلك أنه كان يدع العمل والأخذ بالأسباب التي توصله إلى الرزق الذي كتبه الله له، تكلمنا في هذا بشيء من التفصيل والآن نتابع التلعيق على بقية فقرات هذا الحديث.
قال أي جاء في التوراة وصف الرسول عليه السلام بالصفات السابقة والصفات الآتية من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وهذا مما وصفه الله تبارك وتعالى ببعض هذه الفقرة حينما قال عز وجل: (( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) وهذه الصفة أي أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن فظاً غليظ القلب هو أمر طبيعي أن يكون كذلك عليه الصلاة والسلام ما دام أنه وصف في القرآن بقول الله تبارك وتعالى: (( وإنك لعلى خلق عظيم )) فليس من الأخلاق الكريمة أن يكون الرجل المسلم المحتذي والمقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فظاً غليظاً لأنه لو كان كذلك لنفر الناس وانفضوا من حوله ، لذلك قال تعالى مخبراً عن هذه الحقيقة التي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه كان رقيق القلب رحيماً رفيقاً بأصحابه بل وحتى في بعض الأحيان بأعدائه، فقد سبق لنا أن ذكرنا قصة ذلك اليهودي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه في بيته فسلم عليه سلاماً بالتعبير العامي ملغوماً سلاماً ضمنه الطعن فيه عليه الصلاة والسلام حين قال : السام السام عليك يا رسول الله فغمغمها في لفظه فبعض الناس قد يفهمها السلام وإنما هو يعني السام عليكم والسام هو الموت، وبدهي أن لا يخفى ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له بأقصر جواب : وعليك ، ولكن السيدة عائشة رضي الله عنها التي سمعت قولهم وتنبهت لما قصدوا إليه من الدعاء بالشر وبالموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تملك نفسها ولا حفظت ثورتها بل اندفعت لتقول : وعليك السلام واللعنة والغضب، ثم لما انصرف اليهودي عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام التفت إليها قائلاً : ( يا عائشة ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان العنف في شيء إلا شانه قالت : يا رسول الله ألم تسمع ما قال ؟ قال لها : ألم تسمعي ما قلتُ ؟ ) فقد أجبته بقولي وعليكم فإن كان قاصداً ذلك المعنى السيء الذي تبادر إلينا فقد أعطيته الجواب وأفهمناه أننا أيقاظ متنبهون وأنه لا ينطلي علينا الباطل، وإن كان ربما لم يعن ذلك الكلام وإنما طرق سمعنا كذلك السام فقد أجبناه أيضاً بدون اعتداء وبدون ظلم ، فهذا أثر من آثار الرسول عليه السلام أنه لم يكن فظاً ولا غليظاً حتى مع الكفار الذين كان لهم ميثاق ومواعيد بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم، فأولى وأحرى أن لا يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه فظاً غليظاً، وقد ذكرنا لكن في الدرس الماضي بعض القصص التي تؤكد لطفه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه كقصة معاوية بن الحكم السلمي حينما تكلم في الصلاة ثم لما جاءه الرسول عليه السلام لم يضربه ولم يشتمه ولم يعيره ولم ولم إلى آخره وإنما علمه أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
كذلك قصة ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فأيضاً وهم أصحابه به أيضاً لم يكن الرسول عليه السلام معه فظاً ولا غليظاً وإنما كان به رحيماً رقيقاً، وهذه حقيقة لو أن الرسول عليه السلام كما وصف في التوراة بأنه لم يكن فظاً ولا غليظاً فتاريخ حياته عليه الصلاة والسلام يؤكد هذه الصفة تماماً، وأما قوله : " ولا صخاباً في الأسواق " فمعنى ذلك أن الرسول عليه السلام كان في منتهى الهدوء فكان بعيداً عن أخلاق السوقة والباعة الذين يرفعون أصواتهم في الأسواق كما يفعل الشلافي وأمثالهم اليوم هذا معنى قوله : " ولا صخاباً " والصخب هو رفع الصوت بشدة فلم يكن الرسول عليه السلام كذلك، وإنما كان كما ذكرنا رقيقاً ناعماً مهذباً فهذا معنى قوله : " ولا صخاباً في الأسواق ".