يقال : إن الإسلام انتشر بالسيف فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان لا ، فكيف الفتوحات ؟ حفظ
الشيخ : هنا سؤال بهم الحياة الحاضرة اليوم لاسيما المشتغلين بالدعوة إلى الإسلام.
يقال : إن الإسلام انتشر بالسيف فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان لا ، فكيف الفتوحات ؟
لقد تعرضت للإجابة عن مثل هذا السؤال في دروس مضت عرضاً، وأننا نحيا في عصر فيه أمور توارثها الناس وهم يتوهمونها من العقيدة من الإسلام وفي أمور جدت من لاد غير بلاد الإسلام، ولذلك فنحن نتعرض لهذه الأمور لأدنى مناسبة فقد قلت فيما مضى حينما ذكرت قول الرسول عليه السلام : ( بعثت بالساعة بعثت بين يدي الساعة بالسيف ) هكذا ( بعثت بالساعة بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) هذا حديث صحيح نعم هذا حديث يرويه الإمام أحمد في *مسنده* من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه فقوله عليه السلام : ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ) تقرير لحقيقة شرعية، وهناك حقيقة أخرى يقررها الإسلام كتاباً وسنة، من ذلك قوله تبارك وتعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) فهذه الآية تقرر أصلاً والحديث السابق يقرر أصلاً آخر، الآية تقرر أن الأصل في دعوة الناس إلى الإسلام وإلى الدخول فيه أفواجاً أن يشرح لهم الإسلام ويبين لهم الحقيقة وعلى هذا بدأت الدعوة الإسلامية كما نعلم جميعاً من تاريخ الإسلام المكي ثم المدني.
أما الأصل الثاني فهو لإزالة العراقيل الأصل الثاني هو الدعوة بالسيف فهو لإزالة العراقيل والعثرات التي يلقيها أعداء الإسلام في طريق الدعوة إلى الإسلام على الأصل الأول (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة )) فالرسول عليه السلام لا يرفع السيف إلا مضطراً، وكل دعوة لا بد لها من صيانة وأصل الدعوة الصحيحة هو الدعوة على الأصل الأول (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) إلى آخر الآية، ولكن الدعوة التي لا تدعم بالقوة فيكون نهاية أمرها أن تطوى وأن تجعل في دائرة محدودة، لأن الحق إذا لم ينصر بالقوة مات، وأنتم ترون معي بأن الإسلام حق سواء في الزمن الأول أو الزمن الحاضر لكنه في الزمن الأول انتشر حتى بلغ المشرق والمغرب، أما اليوم فقد تقلص ظله حتى من نفس البلاد الإسلامية، وما سبب ذلك إلا أنه لم يوجد له نصير ينصره بالقوة حينما يريد أعداء الإسلام أن يحصروه بل أن يقضوا إليه،
لذلك فالحكمة الإلهية اقتضت أن يدعى إلى الإسلام بطريقة من طريقتين، الأولى: وهي الأصل بالدعوة بالتي هي أحسن، والأخرى: بالسيف بإزالة العثرات من طريق الدعوة التي يجعلها الكفار، فمقاتلة المسلمين في القرون الأولى إنما كان لهذا السبب وهو أن الرسول عليه السلام بعث الدعاة إلى هرقل إلى المقوقس إلى أنشروان إلى كسرى فماذا كان موقف هؤلاء؟ كان الصدر والمنع من السماح لدعوة الإسلام أن تنطلق بحرية تامة في تلك البلاد، فهذه البلاد التي لم تفتح أبوابها للدعاة الإسلاميين لم يكن بد من نقل الدعوة إليها بالسيف، أما لو افترضنا كما يزعم في العهد الحاضر أن هناك حرية تامة لكل إنسان أن يدعو إلى ما يدين به لو فرضنا أن بلاد الأرض اليوم كلها تبنت هذا المبدأ فسوف لا يحتاج المسلمون إطلاقاً إلى القتال وإلى رفع السيف لأن القتال إنما هو كما قال تعالى : أذن للذين ظلموا أذن.
الطالبة : (( للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ))
الشيخ : (( بأنهم ظلموا )) فأذن لهم بالقتال لماذا؟ لأنهم ظلموا، وما هذا الظلم إلا هو الاعتداء عليهم إما في عقر دارهم وهو الأكثر في أول الإسلام وإما في طريقهم للدعوة، فأولئك القراء السبعون وهم الذين وقعت معركبة بئر معونة أرسل الرسول عليه السلام سبعين قارئاً حافظاً من حفاظ الصحابة ليدعو إلى الإسلام فغدرت بهم بعض القبائل وقتلوهم عن بكرة أبيهم، ماذا فعلوا؟ لا شيء إلى أنهم خرجوا يدعون الناس إلى الله وإلى رسوله فقتلوا ظلماً وبغياً، فقاتلهم الرسول عليه السلام حتى نصره الله عليهم، فهكذا لو فرض أن لا أحد يقف في طريق دعوة الإسلام فلا حاجة يومئذٍ إلى القتال، ولكن هل هذا أمر حقيقي؟ هل يمكن أن يصبح أن يعطى الحرية بكل داعي مهما كانت عقيدته فيطلق إلى أرض الله الواسعة فيدعوا بما يشاء مثلاً؟ هل يسمح لمسلم أن يذهب إلى بلاد السند إلى بلاد الروس أن يدعو إلى الإسلام؟ طبعاً لا ، بل هل يسمح للدعوة إلى الإسلام في كثير من البلاد العربية الإسلامية زعموا؟ لا يسمح، إذن هذا الضغط إذا لم يرفع بالتي هي أحسن فلا بد أن يرفع بالقوة، فالإسلام إذن لا يدعو إلى استعمال القوة إلا عند الضرورة، والأصل الدعوة بالتي هي أحسن ذلك هو جواب السؤال السابق، وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.