شرح أثر الحسن البصري قال : " والله ما استشار قوم قط إلا هدوا لأفضل ما لحضرتهم ثم تلا : (( وأمرهم شورى بينهم )) ". حفظ
الشيخ : ولبيان فضل المشورة ساق المصنف رحمه الله عقب الأثر السابق أثراً آخر وهو الذي رواه بإسناده الصحيح عن الحسن قال: والله ما استشار قوم قط إلا هدوا لأفضل ما لحضرتهم ثم تلا : (( وأمرهم شورى بينهم )).
المقصود بالحسن هنا إنما هو الحسن البصري التابعي، وقد يتبادر إلى الذهن للقارئ لمثل هذا الأثر أنه الحسن بن علي بن أبي طالب ولكن ليس هو المقصود فيه بل المقصود كما قلنا الحسن البصري ، وكيف يعرف هذا؟ هذا لا سبيل لمعرفته إلا بالنسبة لمن عنده علم بتراجم الرجال والرواة للآثار والأحاديث والذين رووا عن هؤلاء الرواة من تلامذة وطلاب علم، فهاهنا مثلاً راوي هذا الأثر هو السري قال: عن السري عن الحسن فإذا عرفنا الثري هذا من هو اكتشفنا بواسطته هوية الحسن المذكور في هذا الأثر والثري هنا كيف نعرفه ؟ نعرفه أولاً من الراوي عنه هذا علم من علم الحديث المهجور اليوم في العالم الإسلامي إلا ما قل وندر فالرواي هنا عن السري هو حماد بن زيد فحينما نرجع إلى حماد بن زيد في ترجمته يسوقون هناك شيوخه الذي تلقى الحديث عنهم فنجد في شيوخه السري بن يحيى فيتعين أن المقصود بالسري هنا الذي لم ينسب إنما هو الثري بن يحيى حيث ذكر في شيوخ حماد ببن زيد فحينما يتعين لنا الثري هذا وأنه ابن يحيى نعود .
السائلة : ابن يحيى النبي ؟
الشيخ : نعم ؟
السائلة : النبي ؟
الشيخ : لا لا هذا الحسن تابعي الراوي عنه تابع تابعي هدول كلهم من بعد الرسول عليه السلام فالمقصود حينما نستكشف هوية السري وأنه السري بن يحيى نعود إلى ترجمته لأنه نجد من يسمى ثرياً كثر من الرواة فلا بد من تحديد المراد من هذا السري هنا فحينما عدنا إلى ترجمة حماد - الآن وقت درس وليس وقت مداعبة - فلما رجعنا ترجمة حماد بن زيد وجدنا في شيوخه السري بن يحيى عدنا إلى ترجمة السري بن يحيى فوجدناه يروي عن الحسن البصري فانكشف لنا أن المقصود بهذا الأثر هو الحسن البصري ، هذه كلمة موجزة تتعلق بعلم أسانيد الحديث وأنا وإن كنت أشعر بأنكن لستن بحاجة إلى مثل هذه الكلمة ولكن أولاً: لمناسبتنا لبيان من المقصود بالحسن هنا، وثانياً: العلم بالشيء ولا الجهل به فنحن نذكر هذا فقد يستفيد بعض السامعات.
إذن الحسن البصري يقول في سبيل بيان فضل الاستشارة يقسم بالله عز وجل فيقول : " والله ما استشار قوم قط إلا هدوا لأفضل مما هو بحضرتهم ثم تلا : (( وأمرهم شورى بينهم )) " أي إنه يأخذ من هذه الآية الكريمة (( وأمرهم شورى بينهم )) أن الله عز وجل حينما مدح المؤمنين الصادقين بأن أمرهم شورى بينهم بل حينما أمر النبي الصادق الأمين بقوله السابق وشاورهم في الأمر فما ذلك إلا لفائدة الاستشارة وما فائدة الاستشارة هو الوصول إلى خير الرأيين وأصدق القولين من هذا وهذا فهم الحسن البصري فضيلة الاستشارة هذه فحلف بالله عز وجل وهو في ذلك صادق أنه ما استشار قوم قط أي ما استشار بعضهم بعضاً إلا هدوا لأفضل رأي من كان معهم أي لأفضل ما بحضرتهم من الآراء والأقوال.
قد يرد على البال فيقول قائل : المصنف عقد هاهنا باب المشورة أي فضل المشورة والاستشارة فما باله لم يذكر الحديث المشهور على ألسنة الناس: " ما خاب من استخار ولا ندم من استشار وما عال من اقتصد " هذا حديث مشهور ومسطور في كثير من الكتب، والجواب: أنه حديث ضعيف الإسناد فالظاهر أن الإمام البخاري من أجل هذا الضعف الذي فيه لم يسق الحديث مع تصريحه بفضيلة الاستشارة حيث قال : ( وما خاب من استشار ).
لكنه ذكر فيما بعد باباً آخر يتفرع عن الباب الأول.