تتمة شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ... وأفشوا السلام تحابوا ... ) حفظ
الشيخ : فهنا يذكر لنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الإسلام الذي هو سبب لدخول الجنة لا يتم للمسلم إلا إذا تحابب مع أخيه المسلم، ثم يلفت النظر إلى السبب الذي به تتحقق المودة والمحبة بين المسلمين فيقول : ( أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ).
فإذن جعل الرسول عليه السلام إفشاء السلام سبباً لتحقيق المودة والمحبة بين المسلمين وهذه المودة والمحبة جعلها سبباً لتحقيق الإيمان والإسلام الصحيح وهذا الإيمان والإسلام الصحيح سبب دخول الجنة، فيجب أن ننظر إلى هذا التسلسل لنعرف أن هذا الدخول إلى الجنة مرتبط أيضًا بوسائل وأسباب شرعية تأكيداً لسنة الله عز وجل في الأرض وهي أنه ربط المسبببات بأسبابها: (( سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا )).
وهاهنا ملاحظة وهي أنه عليه الصلاة والسلام لم يجعل سبب تحقيق المودة والمحبة بين المسلمين هو إلقاء السلام وإنما إفشاء السلام ، فيجب أن نتذكر هذا التفريق بين إلقاء السلام وبين إفشاء السلام .
فإلقاء السلام شيء وإفشاء السلام شيء آخر .
فإفشاء السلام : كما هو أظن واضح للحاضرات جميعا وهو إلقاء السلام وزيادة، هو تكرار إلقاء السلام هذا هو إفشاء السلام، وهذا الإفشاء قد كاد يصبح نسياً منسياً بعد أن كاد أن يكون مجرد إلقاء السلام نسياً منسيًا في هذا الزمان، ذلك لأن كثيراً من الشباب المسلم الذي لم يُربّ تربية إسلامية ألغى السلام بإلقائه فهو لا يحييك بتحية الإسلام وإنما يصبّحك ويمسّيك بالخير وهو يمسيك بالشر لأنه لا يحييك بتحية الإسلام، فكيثير من الناس يقول صباح الخير مساء الخير هذا في معاملتهم يكاد يكون شيئاً عاماً وقليل من الخلّص من المسلمين ممن لا يزال محتفظاً بأدب بل بواجب إلقاء السلام، أما إفشاء السلام الذي هو كما ذكرنا الإكثار من إلقاء السلام في كل مناسبة فهذا الإفشاء يكاد يصبح في خبر كان في هذا الزمان.
مثلاً يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إذا دخل أحدكم المجلس فليسلم، وإذا خرج فليسلّم، فليست الأولى بأحق من الأخرى ).
( إذا دخل أحدكم المجلس، فليسلم وإذا خرج فليسلّم، فليست الأولى بأحق من الأخرى ) إذن فالسلام عند الخروج من المجلس ينبغي ويجب كهو عند الدخول إلى المجلس، فلا يزال كثير الناس يحافظون على إلقاء السلام حين دخول المجلس لكن عند الإنصراف "بخاطركم " " مع السلامة " هذا خطأ، وإنما كما دخلت أو دخلتِ بالسلام فيجب أن خرج أو تخرجي بالسلام، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( فليست الأولى ) أي: التسليمة الأولى ( بأحق من الأخرى ) أي: التسلمية الثانية ، الأولى عند الدخول والثانية عند الخروج .
فهذا صورة أو نوع من أنواع إفشاء السلام ، وهو أن تسلّم ليس فقط دخولا بل دخولاً وخروجاً، كذلك من إلقاء السلام أنك تدخل البيت أو المسجد فتجد صديقك قائماً يصلي فتدخل على...مثل ما بيقولوا على السكوت لا تلقي السلام عليه بحجة ماذا ؟ بحجة أنه يصلي وزعموا أنه لا يجوز إلقاء السلام على المصلي وهذا خطأ مخالف للسنة الصحيحة، فقد ثبت في أحاديث عدّة أن الرسول عليه السلام: سُلّم عليه وهو يصلي فكان يردّ السلام وهو يصلي ولكن إشارة لا لفظاً، والإشارة تارة كانت بيده وتارة إيماءً برأسه هكذا، وهذا نسخ لرد السلام من المصلي لفظاً هذا كان في أول الإسلام، كان إذا دخل رجل على المصلي يقول له السلام عليكم فيبادره برد السلام لفظاً وهو يصلي فيقول : وعليكم السلام فهذا كان في أول الإسلام، ثم نُسخ رد السلام من المصلي باللفظ إلى رد السلام منه بالإشارة بالرأس أو باليد هكذا، وقد جاء أحاديث كثيرة في ذلك ولست الآن في صدد لأنني أريد أن أعلق فقط بالتنبيه إلى الفرق بين إلقاء السلام وبين إفشاء السلام، فمن إفشاء السلام أن تسلم على المصلي وهو يرد عليم بالإشارة لا باللفظ، فاللفظ لا يجوز بل هو مُبطل للصلاة، أما الإشارة فهي سنّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كذلك من إفشاء السلام وهذا فيه عبرة بالغة للذين أهملوا إفشاءالسلام أن يكون ناس من الناس يمشون في الطريق فيعترض سبيلهم شجر أو حجر ثم يرتقون وراء ذلك ، فكان أصحاب النبي يلقي بعضهم السلام على بعض لمجرد هذا الفصل العاجل، فصل بين الجماعة شجر أو حجر ثم التقوا من وراء ذلك فتجدهم كأنهم بعد عهدهم بالتلاقي يلقي بعضهم على بعض السلام، وصح أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بذلك أيضًا، أمر بإلقاء السلام إذا فرّق بينك وبين مسلم شجر أو حجر، هذا أيضًا من إفشاء السلام ومن إفشاء السلام إذا عرفنا أن السلام يُلقى على المصلي فبالأولى أن يُلقى السلام على التالي للقرآن.