شرح حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : ( أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه قالوا لا قال فيده قالوا لا قال فرجله قالوا لا قال فإنكم لا تستطيعون أن تغيروا خلقه ... ) حفظ
الشيخ : عبد الله بن الربيّعة يقول : ( كنا جلوساً عند عبد الله - وهو ابن مسعود رضي الله عنه - فذكروا رجلا فذكروا من خلقه يشير ذكروا من خلقه يعني من شحّه وبخله فقال عبد الله: أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه ؟ قالوا: لا ، قال: فيده ؟ يعني كمان لو قطعتم يده قالوا: لا، قال: فرجله ؟ قالوا: لا ، قال: فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه )
هذه هي حكاية الحديث رأيت ؟
( فإنكم لا تستطيعون أن تغيّروا خُلُقَه حتى تغيروا خلقَه )، ثم يستدل على ذلك ابن مسعود بقوله : ( إن النّطفة لتستقر في الرحم أربعين ليلة ثم تنحدر دماً ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم يبعث الله ملكا فيكتب رزقه وخلقه وشقيّا أو سعيداً ) هذا الحديث.
السائلة : ...
الشيخ : ... ولذلك نحن قبل أن نسمعكم الحديث أعطيناكم تنبيهاً ناعماً أولاً أن هذا حديث موقوف ، وثانياً فيه شيء هذا الشي الآن أنا سأشرع في بيانه إن شاء الله .
أول شيء مهم أبيّنه أن ابن مسعود روى الحديث وهو الطرف الأخير من الحديث وهو : " إن النطفة لتستقر في الرحم أربعين ليلة " إلخ أخرج الحديث هذا عن ابن مسعود البخاري ومسلم في * صحيحيهما * بهذا المعنى ، من عند النطفة ، لأن هناك حديث طويل معروف في *الأربعين النووية * : ( يُجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم أربعين يوما مضغة ثم أربعين يوماً علقة ) إلخ الحديث، ثم يبعث الله ملكاً : فيكتب رزقه ، هنا ماذا قال: وخلقه في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم : ( وأجله ) .
فالحديث مرفوعاً وافهموا شو معنى مرفوعاً بقى حتى ما نطيل العبارة ، فالحديث منسوب إلى الرسول عليه السلام : ( فيُكتب رزقه وأجله ) أما هنا موقوفا من حديث ابن مسعود ماذا قال؟ ( خُلُقه ) لما يجينا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فحينئذ يجب أن نحقق قول ربنا تبارك وتعالى : (( ويُسلّموا تسليما )) فجاء الحديث أن الله عز وجل لما تكتمل أطوار النطفة في رحم المرأة ولا يبقى إلا نفخ الروح فيه يُرسل الله ملكاً فيأمره بأن ينفخ فيه الروح وأن يكتب رزقه وأجله هنا إيش قال ؟ " خُلُقه " جاء الحديث عن الرسول فآمنّا وسلّمنا تسلمنا ، لكن ابن مسعود يقول من قوله يعني من اجتهاده وفهمه مش عن الرسول عليه السلام ، الرسول قال ( وأجله ) هنا هو يقول من عنده وخُلُقه، إذن هنا نقول هذا رأي ابن مسعود رضي الله عنه ويمكن أن يكون صحيح ويمكن أن يكون غير صحيح، أما لو رفعه إلى النبي عليه السلام فهذا التردد لا يجوز أن يصدر من مسلم بل نسلم ونؤمن إيماناً جازماً، هذه أول ملاحظة نلاحظها على هذا الحديث الموقوف.
الملاحظة الثانية وهي من الناحية الإسلامية والتربوية هامة جداً لأن ابن مسعود رضي الله عنه كلاماً من أوله إلى آخره يفيدنا أن من كان طبعه البخل لا يراجع عقله ولن يقول أنا سأغير خلقه لا تجتهدوا وتعدلوا خلقه إطلاقاً ليه ؟ لأنه ضرب مثلاً واضحاً إذا قطعتم رأسه لا يده لا ، رجله لا ، إذن كذلك خلقه هكذا خلقه عز وجل الجواب لو كان الأمر كما يفيدنا هذا الحديث الموقوف عن ابن مسعود لبطلت الشرائع وبطلت القوانين وبطل علم التربية وعلم النفس ليه؟ لأن نحن نرى الأولاد منذ نعومة أظفارهم يختلف من ولد لولد سواء واحد نراه شجاع وواحد نراه جبان واحد نراه كريم وواحد نراه شحيح وبخيل إذن نتركه على ما وجدناه عليه؟ لا ، لماذا؟ نحن نجد الشريعة الإسلامية إنما قامت على أساس معالجة النفس وتقويمها وتطهيرها ربنا عز وجل يقول : (( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها )) (( قد أفلح من زكاها )) أيش معناها ؟ قد أفلح من زكّى النفس التي زكّاها الله ؟ لا إذن تحصيل حاصل ، (( قد أفلح من زكاها )) قد أفلح من زكى من طهّر النفس الأمّارة بالسوء كما جاء في قصّة يوسف : (( إن النفس لأمَّارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي )) فإذا كانت النفس بطبيعتها أمّارة بالسوء فواجب صاحب هذه النفس قال تعالى : (( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها )) إذن إذا كانت النفس التي من طبيعتها أنها أمّارة بالسوء لا فائدة من معالجتها ومن السعي وراء تقويمها وتطهيرها لماذا ربنا عز وجل يقول : (( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها )) ؟ ثم لماذا كل الأحاديث التي سمعنا كثير منها كلها تدور في فلك تطهير النفس وفي مجال تقويمها وتزكيتها إذا كان لا يمكن تقويم النفس وإذا كان من شأن النفس المعوجّة هو هذا المثال الذي ضربه ابن مسعود رضي الله عنه ، إنسان قطعنا رأسه ما في مجال أن يرجع رأسه فإذن هذا يتنافى كل المنافاة مع أصول الشريعة وقواعدها وكثير من فروعها.