فائدة : خطأ يقع فيه الكثير من الناس في باب القدر. حفظ
الشيخ : على أني في نهاية الكلام على هذا الحديث الموقوف أريد أن أذكّر بحقيقة كثيرا ما لا يتنبّه لها الدعاة الإسلاميون فضلا عن غيرهم ، قلنا في هذا الحديث الموقوف وفي الحديث المروفوع أن الله عز وجل يكتب والجنين لا يزال في بطن أمه يكتب أجله ورزقه ويكتب من جملة ما يكتب سعادته وشقاوته، فلنفترض إذن أنه يكتب خُلُقه أيضًا، لكن هل معنى هذه الكتابة أن الإنسان لا يملك أن يسعى للسعادة ؟ يعني هل يجوز لقائل أن يقول ما دام سبقت الكتابة إما سعادة أو شقاوة ففيم العمل ؟ قد أقول مثلاً أو مثلي يقول أنا إما سعيد أو شقي ليه أتعب حالي في الدنيا ؟ فإن كتبت سعيداً كنت سعيداً وأدخل الجنّة ، وإن كتبت لا سمح الله شقياً فما فائدة عملي أو تعبي ؟ إذن خلّني أتمتع في هذه الحياة ثم في الآخرة إن كنت كتت سعيداً فأنا سعيد ، وإن كنت لم أكتَب سعيداً فما فائدة إضاعة وقتي هنا وراء الطاعة والعباد ة والجهاد ووإلخ ؟ هذا قد يقوله كثير من الناس، فنحن نجيب بجواب معروف لدينا ونذكره كثير في مثل هذه المناسبة، وهذا الجواب هو أيضًا جواب عما جاء في هذا الحديث لأن خلقه أيضًا قد كُتب فنحن نقول : الخلق إما خُلق حسن فيقابله السعادة المنصوص عليها في الحديث الصحيح ، وإما خُلق سيء ويقابله الشقاوة ، وكما لا يجوز أن يقول القائل إن كنت كُتبت سعيداً فأنا سعيد في الدنيا وفي الأخرى ليه اتعب حالي ؟ وإن كنت كتبت شقياً فأنا شقي في الدنيا وفي الأخرى ليه اتعب حالي كمان ؟
الجواب: لا شك أن الله عز وجل كتب سعادة كل أنسان وشقاوته كما أنه كتب رزقه وأجله لا شك في هذا، ولكن أين نذهب في مبدأ الأسباب ؟ إن الله عز وجل لما كتب السعادة أو الشقاوة على إنسان ما وكذلك كل ما كتب عليه وهو لا يزال جنيناً من الرزق ومن الأجل كل ذلك مربوط بسعي الإنسان وكسبه أي إن الله عز وجل لحكمته حينما يكتب السعادة على هذا الجنين وهو بعد لم يدخل في عالم التكليف عالم الدنيا علم الله عز وجل من هذا الجنين انه إذا دخل مرتبة التكليف أنه سيؤمن والإيمان هي السعادة فكتبه سعيداً والعكس بالعكس علم من إنسان ما أنه حينما يدخل هذه المرتبة مرتبة التكليف فسوف لا يطيع ربه ولا يستجيب لدعوته وندائه فيكتبه شقياً لأنه سعى هو بنفسه إلى هذه الشقاوة .
وهذا السؤال نفسه وُجّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام : حينما قالوا له إن علمنا وسعادتنا وشقاوتنا هل هو شيء سبق وجرى القلم به أم أن الأمر أنُف أي : جديد قال: ( لا إنما هو أمر سبق وقُدّر ) فقالوا له عليه الصلاة والسلام : ففيم العمل ؟ فقال: ( اعملوا فكلٌّ ميسّر لما خُلق له، فمن كان من أهل السعاة فسيعل بعمل أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيعمل بعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى : (( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى )) أي: الجنّة ، (( وأما من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسره للعسرى )) إذن اليُسرى لها أسبابها فقال تعالى : (( فأما من أعطى واتقى )) أي أعطى المال وزكّى بها نفسه واتقى ربه عز وجل فهذا الذي ييسر الله له الطريق إلى اليُسرى وهي الجنّة وأما من بخل أي لم يخرج زكاة ماله (( واستغنى )) أعرض عن طاعة ربه (( فسنيسره للعسرى )) فإذن اليسرى بالأخذ بأسبابها والعسرى أيضًا بالأخذ بالأسباب المؤدية إليها، فهذه الكتابة إذن والجنين لا يزال في بطن أمه إنما هي استكشاف لما علمه الله عز وجل من هذا الجنين إلا إذا ما بلغ سن التكليف، ولنفترض أن الخلق أيضًا كتب لكن هذه الكتابة إنما هو استكشاف أيضًا لما سيكون عليه هذا الإنسان أي أن إنساناً فُطر بخيلاً ترى سيظل عند هذه الفطرة ولا يجاهد نفسه ؟ فإذا جاهد نفسه فالله يكتبه مجاهداً لا يكتبه شحيحاً بخيلا عاصياً، لأن الفطرة لا يكلّف فيها الإنسان، لكن يكلّف أن يجاهد هواه إذا كان قد فطر على خلاف ما يرضي ربه تبارك وتعالى .
خلاصة القول : يجب ألا نفصل في عالم التكليف في عالم السعادة والشقاوة بين ما سُبق من كتابة سعادة أو شقاوة حسن الخلق أو سوء الخلق لا يجب الفصل ما بين الكتابة وبين الأخذ بالأسباب التي تؤدي في نهاية الأمر إلى ما سبق في الكتاب.