شرح الحديث ثابت بن عبيد : ( ما رأيت أحدا أجل إذا جلس مع القوم ولا أفكه في بيته من زيد بن ثابت " حفظ
الشيخ : الحديث الثاني والثالث هو حديث موقوف .
يعني لم يُذكر فيه الرسول صلوات الله وسلامه عليه لكن فيه بيان ووصف لأحد رجالات المسلمين الأولين من الصحابة المقرّبين ألا وهو زيد بن ثابت رضي الله عنه حيث .
قال ثابت بن عُبيد : ( ما رأيت أحدا أجل إذا جلس مع القوم، ولا أفكه في بيته، من زيد بن ثابت ).
زيد بن ثابت معروف أنه من كبار الصحابة بل هو الرجل الذي كلفه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب حينما اتفقا على أن يُجمع القرآن من الصحف ومن الرّقاع ومن صدور الرجال فلم يجدوا من بين ألوف الصحابة من هو أليق وأحرى بأن يُصّنف بالقيام بهذا الواجب واجب جمع القرآن مما تفرّق منه في بطون الرّقاع والعظام وصدور الرّجال لم يجدوا أليق بهذا العمل الهام أن يقوم به مثل زيد بن ثابت رضي الله عنه .
فيصف الواصف وهو ثابت ابن عبيد هذا الرجل الفاضل بخصلتين قرينتين عظيمتين قلّما تجتمعان في الرجل الصالح فهو يقول : ( ما رأى أجل من زيد بن ثابت إذا جلس في القوم ) .
معنى ذلك أنه رجل جليل وعظيم ووقور يعني تهابه الرّجال وتحسب له حساباً فإذا جلس في المجلس نظروا له كأنه كبيرهم وكأنه شيخهم وكأنه كبيرهم وعظيمهم فلا أحد يستطيع أن يخرج عن أدب المجلس ما دام هذا الصحابي الفاضل وهو زيد بن ثابت موجوداً فيه.
( ما رأيت أحدا أجل إذا جلس مع القوم من زيد بن ثابت ).
وصفة أخرى في الطرف الآخر من هذه الصفة الأولى وقلما تجتمعان فيقول عطفا على الصفة الأولى : " ولا أفكه في بيته من زيد بن ثابت " فهو إذا جلس مع القوم رجل جليل لكنه في بيته فكِه يعني ... لعوب، فليس مع أهله ومع زوجته مع أولاده صارماً جليلاً كما هو في مجلس قومه، بل هو له شخصيتان إذا جلس مع الرجال فهو كبيرهم وهو عظيمهم وهو دليلهم، وإذا جلس مع أهله فهو أفكههم وأقربهم إلى نفوس أهله، أما هاتين الصفتين قلما تجتمعان في الإنسان، فاجتماعهما يدلان على فضل هذا الإنسان وأنه الذي يغلب على الناس إما أن يكون رجلاً جليلاً حيثما كان، سواء كان في قومه في المجلس حيث لا ينفع هناك الفكاهة والمزاحة مع المجالس العامة لا يصلح هناك إلا الحزم والعزم، فالرجل الفاضل إما أن يكون هكذا في كل مجلس وإما أن يكون على العكس هيّنا ليّنا مزوحاً لعوباً يرضى منه الناس ولكن لا يستطيع أن يسيطر على الجو ويتحكّم فيه ويجعل في هذا المجلس الجلالة والوقار فإما هكذا الناس وإما هكذا، أما الجمع بين الصفتين بأن يعطي لكل مقام حقّه فهذا نادر وعزيز، فاجتماع هاتين الخصلتين في الرجل المسلم مما يدل على أنه قد بلغ الأوج في حسن الخلق، فخلقه مع الناس ليس كخلقه مع أهله مع أولاده، فلذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) وبطبيعة الحال لا يعني هذا الأثر وهو أن زيد بن ثابت كان أفكه الناس مع أهله أنه يتساهل معهم فلا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر لا هذا ليس هو المقصود، وإنما المقصود أنه لا يقسو عليهم ولا يشتد عليهم ولا يعاملهم دائماً بالصرامة وبالحزم وإنما تارة وتارة، وكذلك لا يعني قول الرسول عله الصلاة والسلام : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) أن يتساهل الرجل مع زوجته فيسمح لها أن تلبس ما تشاء وأن تنطلق إلى حيث تشاء وأن تأكل أيضًا حسب هواها وحسب كيفها دون مراعاة قاعدة : (( والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما )) فقوله عليه السلام : ( خيركم خيركم لأهله ) معنى ذلك أنه دائما يمشي معهم في حدود الشرع فلا هو يشتد عليهم حيث لا يسمح الشرع بالاشتداد عليهم ولا هو أيضًا يقسو عليهم حيث يسمح بل يأذن الشرع بأن يتساهل معهم، هكذا كان زيد بن ثابت رضي الله عنه وصل حسن خلقه إلى أنه إذا جلس مع قومه كان أجلهم وأعظمهم وإذا جلس مع أهله كان أفكههم وأقربهم إلى نفوس أهله .