فائدة : ضرب أمثلة على التعجيل ببعث الناس بعثاً خاصاً . حفظ
الشيخ : وهذا له أمثلة في التعجيل ببعث الناس بعثاً خاصاً من ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في *صحيحيهما* من حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط ) هذا كما يقولون باللغة العامية : " هذا يسلّم على هذا " كلاهما على وتيرة واحدة في عدم الصلاح مع الإيمان الذي لا بد منه ، لم يعمل خيراً قط ، فلما حضرته الوفاة جمع أولاده حوله فقال لهم أي أب كنت لكم ، فقالوا خير أب ، قال: فلئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً شديداً ، فإذا أنا مت فخذوني وحرّقوني في النار ثم ذرّوا نصفي في الريح ونصفي في البحر ، فلما مات حرّقوه بالنار تنفيذا لوصيته وذروا نصفه أي نصف رماده في البحر الهائج ، والنصف الآخر في الريح الهائج ، ثم قال الله عز وجل لذرّاته كوني فلاناً فكانت فقال الله عز وجل له: أي عبدي ما حملك على ما فعلت ؟ من هذه الوصية الجائرة التي تدل على شكك بالبعث لأنه قال : لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً شديداً كأنه لا يؤمن بأن الله قادر على بعثه من جديد كأنه يمثّل أو كأنه ينطبق عليه ذلك المثل المضروب بالكافر في خاتمة سورة "يس" : (( وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة )) إلى آخر الآية ، كأنه هذا هو الإنسان الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة فقال لأولاده : ( لئنن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً شديداً ) إذن حتى لا يقدر ربنا عليه أوصى بهذه الوصية الجائرة ، الله عز وجل الذي قال: (( إن الله على كل شيء قدير )) قال لهذا الإنسان بعد أن تفّرقت ذراته رمادا بعضها في الريح وبعضها في الماء قال لها: كوني فكانت ، انتصب أمام الله عز وجل بشراً سوياً فقال الله عز وجل : أي عبدي ما حملك على ما فعلت ؟ قال: ربي خشيتك ، أنا خفت منك أنا ليس أنه غير مؤمن بأنك على كل شيء قدير ، لكن من خوفي في النفس ما طلع مني سوى أني أوصيت بهذه الوصية الجائرة ، والله عز وجل العليم بما في الصدور الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يعلم أن هذا الإنسان يتكلم عن إخلاص حين يقول إنا أوصيت بهذه الوصية الجائرة من خوفي منك أي إنك ربي إذا عذّبتني عذّبتني بعدلك وأنا مستحق لذلك ، فخلاصاً من هذا العذاب الذي إذا قدّرته علي أوصيت بهذه الوصية الجائرة للخلاص من العذاب لا شكاً في قدرتك على بعثي وإحيائي مرّة ثانية ، لما علم الله عز وجل منه صدقه في قوله : إن خشيتي منك هي التي زلّت من أجلها قدمي وأوصيت بتلك الوصية الجائرة قال الله عز وجل: اذهب فقد غفرت لك.
الشاهد من هذا الحديث: أنه كحديثنا هذا كل من الرجلين بعثه الله عز وجل وحاسبه قبل يوم الحساب، وهذا كما قلنا لا فرق عند الله بين التعجيل بالحساب أو الإبقاء إلى اليوم الموعود ، ولكل قسمته لأن الله عز وجل حكيم وفعّال لما يريد .