شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( قال : نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة نعم الرجل أسيد بن حضير ... ) حفظ
الشيخ : ثم سابق المصنف بإسناده الصحيح .
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( نعم الرجل أبو بكر ) .
هذا في غاية المدح ، ( ونعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، نعم الرجل معاذ بن جبل ) . قال يعني الرسول عليه السلام : ( وبئس الرجل فلان، وبئس الرجل فلان حتى عد سبعة ) فنرى في هذا الحديث الصحيح أن الرسول عليه السلام مدح بضعة من أصحابه المسلمين ، فقال: ( نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر ) وهكذا ويشبه هذا المدح بل ذاك منتهى المدح حين قال عليه السلام : ( النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة ) حتى عد تمام العشرة المبشرين بالجنة ، ومن هذا الحديث أخذ الخطباء حينما يترضون عن العشرة المبّشرين بالجنة، المبّشرين بالجنة من الذي بشرهم بالجنة ؟ هو الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح.
( النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة ) إلى أن أتم عدد العشرة ، لا شك أن في هذا الإخبار بل في هذا التبشير من الرسول صلوات الله وسلامه عليه لهؤلاء الصحابة بأنهم من أهل الجنة غاية المدح والثناء.
فكيف هذا وقد سبق معنا في الدرس الماضي ثوله عليه السلام: ( المدح هو الذبح ) وقال لمن مدح أخاه في وجهه : ( قطعت عنق أخيك ) الجواب ما أشار إليه المؤلف البخاري رحمه الله في الباب حين قال: " من أثنى على صاحبه إن كان آمناً به " فثناء الرسول عليه السلام على هؤلاء الأشخاص الذين ذكروا في هذا الحديث وعلى العشرة المبشرين بالجنة الذين ورد ذكرهم في الحديث الذي سقت بعضه آنفاً هو تأكيد لهذا الاستثناء الذي أشار إليه المصنف في الباب، فإذا نحن ضممنا هذا الباب إلى الباب السابق خرجنا بنتيجة غير النتيجة التي أخذناها في الدرس الماضي، في الدرس الماضي أخذنا نتيجة أنه لا يجوز مدح الرجل في وجهه مطلقا، الآن نأخذ نتيجة غير هذه النتيجة أو بالأحرى نأخذ نتيجة تقيد النتيجة السابقة، وخلاصة ذلك هو أنه لا يحوز مدح الرجل الرجلَ في وجهه إلا في حالة كون المادح يأمن الإفتان والإضرار لمن يمدحه في وجهه.
وهذا بطبيعة الحال لا يتحقق إلا مع ناس يعني في غاية الخلق الإسلامي، وهذا الخلق الإسلامي عادة لا يتجلى في الإنسان إلا إذا بلغ سنا معيًّا، أما إذا كان شابا وصالحا فلا يجوز مدحه إطلاقا لأنه الآن هو في دور مشوب وفي دور التربية، فإذا ما مُدح فيُخشى أن يفسد الشيطان في قلبه فيخرجه عن الصراط المستقيم الذي هو سالك فيه.
إذن يجب أن نقلل من ثنائنا ومدحنا لغيرنا وهذا هو الأصل ، وإذا كان لا بد من الثناء على الغير فيجب أن ننظر في هذا الغير هل هو ممن يخشى أن يُضر بنفسه أم لا ؟ فإذا غلب على ظننا أن الرجل شبعان مدحاً شبعان ثناءً وكل ذلك لا يؤثر مثلا في منطلقه في حياته ومستقيم في سبيله إلى ربه ، حينذاك يجوز المدح للأوصاف ال... والأحاديث كثيرة جدا في ثناء الرسول عليه السلام على كثير من الصحابة مثل هذا الثناء الذي هنا وغير ما ذكرت.
مثلاً قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها ) فهذا مثال المدح كما قلنا : ( لا يدخل النار ) هذا إخبار من النبي الصادق أن أحداً من أصحاب الشجرة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحتها لا يدخلوا النار أبداً .
لماذا مدحهم الرسول عليه السلام؟ لسببين توفرا واجتمعا الأول أنهم يستحقون هذا المدح لأن الرسول لا يتكلم إلا بوحي السماء، والآخر أن الرسول عليه السلام لا يخشى فتنة هؤلاء الصحابة لأنهم آمنوا بالله ورسوله حقاً .
أحيانا يمدح الرسول عليه السلام مع إلفات النظر إلى تقصير هذا الممدوح ، فهو قال مرة : ( نعم العبد فلان ) ابن عمر يعني عبد الله بن عمر بن الخطاب ( لو أنه كان يقوم من الليل ) فلم يعد بعد ذلك يدع صلاة الليل ، فمدحه من جانب وبين النقص الذي فيه ولو في النافلة من جانب آخر فحضه على أمر زاده صلاحا وتقى.