شرح حديث عائشة رضي الله عنها : ( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة فلما دخل هش له وانبسط إليه ... ) حفظ
الشيخ : والآن أعود إلى درسنا حول حديث عائشة في استئذان الرجل في الدخول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا فصلنا القول بأن الحديث جاء في كتابنا *الأدب المفرد * بزيادة لا توجد في * صحيح البخاري * ولا في الكتب الأخرى، الزيادة هي التي تتعلق بالرجل الصالح فهذا لا أصل له والذي ثبت أن رجلا واحداً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم .
فقال: ( إيذني له بئس أخو العشيرة ) ، وفي رواية أخرى : ( بئس ابن العشيرة هو )، إلى آخر الحديث ، ووعدنا في الدرس السابق بأن نتكلم على فقه الحديث ولو بإيجاز ، والذي أردت أن أذكره من هذا الحديث هو أن ظاهر الحديث يتنافى مع قول الرسول عليه السلام المعروف : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر هذا الرجل بما يكره بطبيعة الحال لأنه ذمّه بقوله : ( بئس أخو العشيرة هو ) فلا غرابة أن السيدة عائشة استغربت هذا الوصف من الرسول عليه السلام لذلك الرجل لأنها تعلم كما نحن تعلمنا من أمثالها من الصحابة من قوله عليه السلام : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) فهي سمعت الرسول عليه السلام يذكر المستأذن بما يكره ، ولذلك فما كاد الرجل يخرج من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى التفتت إليه السيدة عائشة تستوضحه عن الموقف المختلف الذي ظهر لها حيث أنه عليه السلام حينما استأذن رجل وصفه بالشر قال : ( بئس أخو العشيرة هو ) فلما دخل إليه واستقبله الرسول عليه السلام هش له وبشّ ، فهذه الهشاشة وهذه البشاشة لا تتفق أولا مع قوله قبل أن يدخل: ( بئس أخو العشيرة هو ) ثم هذا القول نفسه لا يتفق مع قوله عليه السلام: ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) فلما سألت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله: ( بئس أخو العشيرة هو ) وعن هشاشته وبشاشته معه أجاب بقوله عليه الصلاة والسلام : ( يا عائشة، إن من شر الناس عند الله عز وجل يوم القيامة من يتقيه الناس مخافة شره ) ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا الإنسان يخشى شره على ضعفاء المسلمين ولذلك فهو عليه الصلاة والسلام رأى من الحكمة ومن السياسة ألا يجابهه بما يستحقه من ذم خشية أن يخرج من عنده عليه الصلاة والسلام فيرمي غيظ قلبه بالانتقام من ضعفاء المسلمين ، فأشار عليه الصلاة والسلام بأن هذا الرجل شرير ( إن شر الناس عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة من يتقيه الناس اتقاء شره ) فكأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال أخيرا للسيدة عائشة أنا قابلته بهشاشة وبشاشة لأقطع شره عن إخواننا المسلمين.
فإذن ذكر الرجل أحيانا في قفاه بما ليس فيه للكشف عن واقعه وتحذير الناس منه فهذا جائز شرعا ، وليس من الغيبة المحرمة وهذا ذكرته أكثر من مرة في مناسبات كثيرة، لكن هذا الحديث أيضًا من هذه المناسبات الصالحة والجيدة ونحن نسمع الرسول عليه السلام يستغيب هذا الإنسان بقوله : ( بئس أخو العشيرة هو ثم لما يدخل الرجل يهش إليه ويبش ، فتلك الغيبة هو لتعريف من كان في المجلس أو من كان يسمع قول الرسول كالسيدة عائشة لتعريفها بأن هذا الرجل تقي وهذا الرجل يُخشى شره على الناس لذلك قال : ( بئس ابن العشيرة ) ، أو ( بئس أخو العشيرة هو ) ولكن ما جاوبه الرسول عليه الصلام بهذا وإنما هش إليه وبش ليدفع الشر به قد يصدر منه فيما لو أن الرسول عليه السلام جابهه بالحقيقة التي صرح بها أمام الناس أو أمام السيدة عائشة قد جر الرجل إلى حديثه عليه الصلاة والسلام .
هذا ما كنت أردت يومئذ أن أنبه عليه من فقه الحديث .