باب : " باب الزيارة " . شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( إذا عاد الرجل أخاه أو زاره قال الله له طبت وطاب ممشاك وتبوأت منزلا في الجنة ... ) حفظ
الشيخ : فقد عقد المصنف رحمه الله وهو الإمام البخاري رحمه الله في كتابه * الأدب المفرد * الذي نحن في صدد تدريسه عليكن بابا في الزيارة وهو الباب التاسع والخمسون بعد المئة قال :
" باب الزيارة " .
ثم روى فيه بإسناده الحسن .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا عاد الرجل أخاه أو زاره، قال الله له: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت منزلا في الجنة ) .
هذا حديث عظيم جدا يبين فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصلتين من خصال الإسلام ألا وهما : عيادة املريض وزيارة الأخ في الله عز وجل وفي عيادة المريض والزيارة في الله أحاديث كثيرة جدا ف الحض على كل منهما وثد جمعها الحافظ المنذري جمعا حسنا في كتابه * الترغيب والترهيب * ، وسيسوق المصنف في الأبواب الآتية بعض هذه الأحاديث وحديثنا هذا من تلك الأحاديث في الحض على عيادة المريض المسلم وعلى زيارته أيضًا ، وخصوص هذا الحديث أنه نص على فضيلة خاصة من تلك الفضائل وهي أن الله عز وجل يخاطب عبده المسلم الذي خرج لعيادة أخيه المسلم أو لزيارته وهو سليم يخاطبه الله عز وجل بقوله: ( طبت وطاب ممشاك ) فلو لم يكن في هذه العيادة وفي هذه الزيارة فضيلة سوى أن الله عز وجل خص هذا العبد فكيف وفيه أن الله عز وجل يقول : ( طبت وطاب ممشاك ) وليس هذا فقط بل : ( وتبوأت منزلا في الجنة ) أي إنك هيأت لك منزلا في الجنة تدخله بسبب عيادتك لأخيك المسلم أو بسبب زيارتك لأخيك المسلم، إذن : ففي كل من العيادة والزياردة هذه الفضيلة التي قلما وأنا لا أذكر أني وجدتها أعني هذه الفضيلة لعمل خيري سوى الزيارة وسوى العيادة، ولا بد من التنبيه على أن هذه الفضيلة إنما تتحقق للعائد والزائر إذا كان كل منهما أخلص لله عز وجل، أي إن العيادة أو الزيارة التي جاء ذكرها في هذا الحديث ليست من نوع عيادتنا اليوم، زيارتنا هذه التي تكون من باب المجاملة هذه المجاملة التي أسميها النفاق الاجتماعي التي ابتلي به المجتمعات كلها وفيها مع الأسف كثير من المجتمعات الإسلامية ، وإنما يجب أن نجعل الزيارة والعيادة في الله لأن الله عز وجل حض علينا في هذا الحديث حض عليهما في هذا الحديث وفي غيره ، وإلا فكثير ما نسمع هل ستزور فلان؟ والله مرضنا ولم يعدنا ، تزور فلان ؟ والله جئنا من سفرنا ولم يزرنا هذه كلها مراسيم ما أنزل الله بها من سلطان، لأن المسلم لا يريد " وجهنة " ولا يريد نفاقا، وإنما يرتضي من وراء أعماله رضى الله تبارك وتعالى ، وأن يتبوأ له منزلا في الجنة ففلان لم يزرني إذن أنا أزوره هو لم يزرني ما اتخذ له منزلا فأنا أزوره لأتخذ له منزلا فلان لم يعدني لما مرضت فهو ما اتخذ هذه الوسيلة فأنا إذن أكون خيرا منه فأعوده إذا مرض، لذلك يكون من ثمرة هذه الأحاديث هو أن نكوّن في أنفسنا في الحقيقة الشخصية المسلمة ، وبالتالي نحقق المجتمع الإسلامي الذي ساء لضرورته جماعات إسلامية كبيرة اليوم وفيها بعض النساء.
ولكن الكثير من هؤلاء لا يتنبه لهذه الحقيقة التي نلفت النظر إليها بمناسبة هذا الحديث وهي أنه يجب أن يوجد هناك فرق كبير جدا بين عيادة المسلم وعيادة الكافر أعني عيادة المسلم للمسلم وعياة الكافر للكافر، كذلك يجب أن يكون هناك فرق كبير بين زيارة الأخ المسلم لأخيه المسلم، ما هو الفرق يا ترى أهو فرق عملي أم هو فرق قلبي؟ ليس فرقا عمليا بل إن كثيرا من الكفار من الناحية العملية يعودون خيرا منا ويزورون خيرا منا، ولكن ماذا يبتغون من وراء هذه الزيارة التي هي في ظاهرها خي من زيارتنا ، وما الذي يبتغونه من تلك العيادة التي هي خير من عيادتنا ؟ أن يُقال فلان عاد فلانا حدثني مثلا ابني فلان زار فلانا كان طبيا معه كذلك لما يزور يزور ويأتي بهدايا كل بحسبه ، ليقال فلان والله لما زار فلاانا أغرقه بالهدايا والتحف مثلا، كل هذا لا قيمة له عند الله عز وجل ما لم يقترن معه القصد الحسن ، والقصد الحسن لا يكون حسنا مطلقا إلا أن يبتغي القاصد بعمله الصالح وجه الله تبارك وتعالى، وهذا بالنسبة للكفار لا ثواب لذلك يقول الله عز وجل في أعمال الكفار الصالحة أي الصالحة في مظهرها كما ضربنا مثلا بالعيادة والزيارة يقول في مثل هذه الأعمال الصالحة التي مصدرها الكفار قال عز وجل : (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا )) هل تبوأ هذا الكافر بعيادته الجميلة وبزيارته الكريمة هل تبوء عند الله في الجنة منزلا ؟ هيهات هيهات ذلك لأنه لم يدخل القصد الخالص لوجه الله مستقرا في نفسه، وقد يتأول البعض أننا نرى ونعلم أن بعض الكفار يقصدون وجه الله بالرغم من أنهم كفار نقول قد يكون الأمر كذلك لكن هذا في الظاهر أيضًا ولكن في الحقيقة فليس الأمر كذلك، ذلك لأن الله الذي يعبدونه ولأن الله الذي يقصدون بأعمالهم الخيرية وجهه ليس هو الله الحق، فالله عندهم كما نعلم جميعا الآب والإبن وروح القدس هذا الآب والإبن وروح القدس عندهم إله واحد ، هذه الأقانيم الثلاثة كما يعبرون هم يقدمون إليهم الأعمال الصالحة إذن هم مشركون فهنا آية أخرى تقول : (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) فبالتالي لا يحبط عمل المسلم مطلقا من أي وجه من الوجوه، أما من الوجه الأول وهو الإشراك فهو مسلم أسلم وجهه لله رب العاملين فهو موحد لكن قد يحبط العمل بطريق آخر ومن المسلم نفسه ، كذلك ألا يقصد بالعمل الصالح وجه الله عز وجل.
لذلك يجب نحن المسلمين أن نمتاز ونتميز عن الكافر حينما نعود مريضًا أو نزور أخاً نجعل كلا من العيادة والزيارة خالصة لوجه الله عز وجل لا نريد من وراء ذلك جزاءً ولا شكورا، لا نقول ما زارنا لذلك لا نزوره ويمكن نزوره حياءً وخجلا ليس هذه الزيارة التي يخاطب فيها ربنا عز وجل عبده المسلم بقوله : ( طبت وطاب ممشاك وتبوأت في الجنة منزلا ) إلى هذا نلفت النظر بأنه مهم جدا في كل أعمالنا الصالحة لكن بخاصة في هذه العيادة وهذه الزيارة أن نقصد بذلك وجه الله تبارك وتعالى .