تتمة شرح أحاديث أبي هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهم : ( ... فليس منا ) . حفظ
الشيخ : لكن إيش معنى ( فليس منا ) .
قد يفهم البعض ليس منا يعني ليس مسلما فهل هذا الفهم صحيح الجواب لا لكن معنى ليس منا أي ليس على نهجنا وعلى خطتنا وعلى شريعتنا كل أحاديث هنا في هذا الباب جاءت هكذا لكن هناك رجل من كبار علماء الحديث ومن كبار علماء الحنفية القدامى وهو المعروف بأبي جعفر الطحاوي له كتاب اسمه مشكل الآثار جمع فيه جملة كثيرة من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي كل منها ليس منا منها هذا الحديث منها ( من غشنا فليس منا ) ( من رمانا بالليل فليس منا ) ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) أحاديث كثيرة كلها يبتدأ بها أو يختتم بها ليس منا من فعل كذا وكذا أو من فعل كذا وكذا فليس منا فما معنى هذه الجملة فليس منا ليس مسلما لا لا يجوز إخراج المسلم من دينه والحكم عليه بالردة بمجرد أنه خالف حكما شرعيا لمجرد أنه لا يحترم الكبير لمجرد أنه لا يرحم الصغير نحكم عليه بأنه ارتد عن دينه لا هذه معاصي فمعنى ليس منا ليس في كمالنا بل نحن نحبه للمسلمين جميعا إخواننا وعلى العكس من هذه العبارة تأتي عبارة أخرى فهو منهم مثلا قول الله تبارك وتعالى في حق الكافرين (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) فهل هذه تفسر من بعض الناس خاصة اليوم جماعة التكفير في مصر وفي غيرها فهو منهم يعني صار كافر أهو كذلك الجواب لا لابد إذا أردنا أن نحكم بظاهر هذا الخبر ليس منا أو فهو منهم جملة خبرية إذا أردنا أن نحكم بظاهر هذه الجملة أو تلك فيجب أن نلحظ معنى آخر هذا المعنى الآخر له علاقة بالقلب المعنى الأول هو الفعل لا يرحم الصغير فعلا لا يرحم لا يوقر الكبير فعلا لا يوقر الكبير فهو منهم من يتولهم أي الكفار فهو منهم يتولهم ماذا يفعل يواليهم ويناصرهم ويخدمهم و و إلى آخره هذه كلها أعمال ظاهرة فإذا وقفنا عند الأعمال فقط حينئذ لا يجوز تفسير هذه الجملة في الحديث ليس منا على ظاهرها كما لا يجوز تفسير تلك الآية وما شابهها أيضا على ظاهرها وإنما يقال ( ليس منا ) على طريقتنا وعلى محاسن أخلاقنا فهو منهم أي في أخلاقهم وعاداتهم السيئة أما إذا أردنا أن نقول فليس منا مطلقا أي ليس مسلما أو فهو منهم مطلقا أي فهو كافر حينئذ يجب أن نلاحظ شيئا آخر له علاقة بالقلب فهو منهم إن كان يواليهم ويعاونهم ويناصرهم على المسلمين وهو يستحل ذلك بقلبه أيضا فالآية حين ذاك على ظاهرها فهو منهم قلبا وقالبا كذلك هنا في الحديث ( فليس منا ) إذا كان لا يرحم الصغير ولا يوقر الكبير ولا يعرف للعالم حقه تدينا عقيدة ليس فقط عملا فحين ذاك الحديث على ظاهره فليس منا وعلى هذا التفصيل وأعني بصورة خاصة مراعاة العمل ومراعاة القلب وبتعبير آخر مراعاة عمل الأعضاء من جهة ومراعاة عمل القلب من جهة أخرى يأتي التفصيل في تفسير النصوص فتارة نجري النص على ظاهره وذاك حينما يكون العمل شمل العملين العمل البدن وعمل القلب فهو منهم عملا واعتقادا يعني يعتقد ما يعتقدون ويستحل ما يستحلون بقلبه وليس فقط بجوارحه وبدنه كذلك من لم يرحم صغيرنا إلى آخر الحديث فليس منا ينبغي أن نلاحظ هل هو فقط عملا لا يرحم أم أيضا يستحل عدم الرحمة قلبا فإن اجتمع العمل الجارحي البدني والعمل القلبي فذلك هو الكفر.
مراعاة اجتماع هذين العملين العمل القلبي والعمل البدني مراعاة اجتماعهما أو فصالهما بيحل على طالب العلم مشاكل كثيرة جداً منها ما يتعلق بالحديث السابق الذي سألت عنه بنت أخي خديجة آنفًا : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) ، ( لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) لا كذا وهو مؤمن أحاديث كثيرة في هذا المعنى ، كيف نفسر هذه النصوص على ظاهرها ؟!
ممكن ننفسرها على ظاهرها وممكن نفسرها على طريق التأويل كما فعلنا في الحديث ، حديث الدرس الآن ( فليس منا ) ومثل حديث الآية (( فهو منهم )) قلنا : ليس منا مطلقاً فيما إذا كان عمله البدني وعمله القلبي مع بعض فهو ليس منا مطلقاً حين ذاك لأنه كفر بإنكاره لما شرع الله من العطف على الصغير وإجلال الكبير ونحو ذلك ، كذلك الآية السابقة (( فهو منهم )) تارة نخلي الآية على ظاهرها حينما يكون من قلنا هو من الكفار يكون قلبه أيضاً مثل عمله مخالف للشرع قلباً وقالباً .
( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) ( لا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن ) تارة نفسرها : لا يزني حين يزني وهو مؤمن إيمانًا كاملاً ، حينما نفترض إنه هذا يزني لكن لا يستحل الزنا في قلبه ، يشرب الخمر لكن لا يستحل الخمر بقلبه ، يسرق السرقة لكن لا يستحل السرقة بقلبه ، فنفسر الحديث حين ذاك : لا يزني لا يسرق لا يشرب الخمر في كل ذلك وهو مؤمن إيماناً كاملًا : ليه المؤمن الكامل بيسرق المؤمن الكامل بيزني بيشرب خمر حاشا لله عز وجل ، تارة نفسر الحديث على ظاهره ( لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) : ليس مؤمناً إطلاقاً في حالة يستحلها بقلبه يعني بيقول بلا حرام بلا حلال كما يقول بعض الجهال اليوم ، فهذا هنا اقترن العمل القلبي الفاسد بالعمل الجارحة الفاسد ، فاقتران العمل الفاسد القلبي هو الذي بيسوغ للعالم المسلم يفسر حين ذاك الآية أو الحديث على ظاهره ( لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) له تفسيران :
إذا كان مؤمن قلباً لا يجوز أن نخرجه من الدين ما دام هو مؤمن لكن نقول ليس مؤمناً إيماناً كاملاً ، لأنه واضح إن كان إيمانه كامل كان منعه من أن يواقع هذه الموبقات ويرتكبها .
لكن إذا كان هو لا يتعرض بحرمة هذه الخصال كلها من السرقة والخمر ونحو ذلك فحينئذ يكون الإيمان المنفي عنه هو الإيمان المطلق ويكون في الآخرة من الخالدين في النار ، هذا ما وجب بيانه لمناسبة هذا الحديث ( ليس منا )، وبمناسبة ذاك الحديث المسؤول عنه.
وهناك أحاديث كثيرة وكثيرة جدًّا حول الإشكال بملاحظة ما نسميه نحن بالكفر العملي والكفر الاعتقادي فإذا اقترن مع الكفر العملي كفر اعتقادي فليس مؤمناً ، وإذا قيل لا يدخل الجنة لا يدخل الجنة مطلقاً ، أما إذا كان هناك في إيمان اعتقادي لكن يقترن معه كفر عملي يعني يفعل فعل الكفار لكن لا يؤمن إيمان الكفار فهذا يكون فاسقاً عاصياً ولا يكون مرتداً كافراً .
والسلام عليكم.
وبهذا القدر كفاية .
والحمدلله رب العالمين.