بيان الشروط التي تكون من أجل إكرام حامل القرآن : " ألا يغلو فيه، وألا يجفو عنه. والكلام على آية إستواء الله سبحانه وتعالى وهل له مكان. حفظ
الشيخ : فهنا اشترط في حامل القرآن وحافظه الذي يستحق إكرامه وإجلاله من المسلمين هاتين الصفتين :
الأولى: ألا يكون مغالياً فيه، ألا يحمّل القرآن من التفاسير والمعاني ما لا يتحمل كمثل الآية السابقة (( الرحمن على العرش استوى )) فسروها باستولى، ونحن لو تأملنا قليلا في هذا التفسير لتبين لنا أن هؤلاء الذين فسروا هذا التفسير الغالي والحائد عن المعنى السلفي أنهم لم يستفيدوا منه شيئا ذلك لأنهم حينما يفرون من التفسير السلفي لاستوى بمعنى استعلى يتوهمون أن وصف المسلم لربه بأنه فوق المخلوقات أنه في مكان وأنه حصرناه في مكان إذا قلنا على المخلوقات، ثم يقعون في ما منه فروا مع أن الذي اتهموا به السلف الذين يفسرون استوى بمعنى استعلى أنهم يجعلونه في مكان هذا اتهام باطل لا أصل له وهذه نقطة أنا أعتقد أن النساء كل النساء إلا ما شاء الله وقد يكون أفراد قليلات منهن لا يعرفون هذه العقيدة على الوجه الصحيح، لأن هذه العقيدة الصحيحة وهي أن الله عز وجل على العرش استوى استعلى، وأن هذا الاستعلاء لازمه أن الله عز وجل فوق المخلوقات هذه العقيدة الصحيحة يورد الغلاة المنحرفين في تأويل القرآن عن التفسير السلفي يوردون شبهات وإشكالات لا أصل لها ولكنها قد تؤثر في عقيدة أفراد من السلفيين الذين لم يعرفوا جواب تلك الشبهات ، هم يقولون مثلاً إذا قلنا إن الله عز وجل فوق السماوات وعلى المخلوقات كلها كما قلت آنفًا يقولون: إذاً الله في مكان، الجواب: كلا، لأن المكان مشتق من الكون، ونحن نعلم أن الله كان ولا شيء معه كما جاء في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين : ( كان الله ولا شيء معه ) ، الآن نحن مضطرون لدفع تلك الشبهة أن نتساءل تُرى هل كان الله عز وجل في مكان قبل أن يكون شيء معه؟
الآن يوجد شيء معه لأنه كان ولا شيء معه، ثم خلق العرش وخلق السماوات وخلق البشر وخلق ما شاء الله أن يخلق، فيوم كان الله ولا شيء معه هل كان في مكان؟ الجواب: لا، لأنه لا شيء معه والمكان هو خلق من خلق الله عز وجل، لما وجدت المخلوقات وجد المكان، فالله كان ليس في مكان، إذاً حينما خلق المخلوقات سبحانه وتعالى ما صار له مكان، لأنه لا يزال في عظمته وفي جلاله وفي علوه ما وجد له مكان ليحل فيه حاشاه، كيف وهو أكبر من الكون كله الذي جزء منه المكان، فالله أكبر من كل شيء، فقبل أن يخلق المخلوقات لم يكن مكان، فهو كان معتزاً بذاته وبجلاله، غير فقير ولا محتاج إلى أن يكون له مكان يخلقه ليحل فيه حاشاه من ذلك.
إذاً هو لما خلق الكون ما سَكَنَه ولا اتخذه وطناً له وإنما على العكس من ذلك تفيدنا الآية السابقة: (( استوى على العرش )) علماً بأن العرش أكبر من كل المخلوقات، وهو سقف الفردوس، عرش الرحمن سقف الفردوس كما جاء في صحيح البخاري: ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى الجنان وفوقها عرش الرحمن ) .
فإذاً إذا عرفنا أن المكان مشتق من الكون والكون مخلوق والكون لم يكن من قبل مخلوقاً، على العكس فالله كان ولا شيء معه، إذاً هو من هذه الحيثية هو الآن كما عليه كان، وأرجو الانتباه إلى هذا القيد الذي قلته آنفًا : هو من هذه الحيثية أي من حيث أنه لم يكن في مكان كما كان قبل أن يخلق السماوات والأرض فهو الآن من حيث هذه الحيثية كما كان قديماً أزلياً قبل أن يخلق المخلوقات لم يكن في مكان فهو الآن كما كان، لكننا لا نقول كما يقول غلاة الصوفية الذين يتزيلون على الأحاديث النبوية فيضيفون إلى حديث عمران بن حصين السابق الذكر بلفظ ( كان الله ولا شيء معه ) زاد الغزَّالي في *الإحياء* وغيره في غيره زيادة مفسدة لهذا الحديث الصحيح فقال : " كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان " : أنا قلت هذه الجملة المضافة إلى الحديث الصحيح لكن لا وصلاً لها بالحديث الصحيح ، فإن هذا الوصل يجعل الحديث مبطلاً لعقائد المسلمين الصحيحة ومؤيدًا لوحدة الوجود الباطلة التي يقول بها بعض الغلاة من الصوفية، انتبهن: ( كان الله ولا شيء معه ): لا شيء معه ، " وهو الآن على ما عليه كان " ، أي لا شيء معه ، أصحيح أنه لا شيء معه ؟!
بداهة هناك أشياء يجمعها كلمة الخلق المخلوقات على أنواعها ، الإنسان والحيوان والجماد والجماد منفصلة إلى فصائل كثيرة السماوات والأراضين والجبال و و أنهار هذه ليست أشياء فيقال: لا شيء معه، كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان، هنا يلزم محظور من محظورين وأحلاهما مر كما يقال:
المحظور الأول: أن نعتبر أن الله عز وجل ما خلق شيئاً.
المحظور الثاني: لا يمكننا أن ننكر أن الله خلق كل شيء (( خالق كل شيء )) هذا نص القرآن الكريم (( خالق كل شيء )) كيف هو مع كونه خالقاً لكل شيء هو الآن على ما عليه كان ( كان ولا شيء معه ) الآن توجد هذه المخلوقات التأويل عند غلاة الصوفية : " لا هو إلا هو " أي هذه المخلوقات هي الله ، فحينئذ يصح فهم الجملة الباطلة على هذا التأويل الصوفي الغالي ، أي هذه المخلوقات التي نراها نحن في تعبير الصوفية بمظاهر لله سبحانه وتعالى فهي منه ولذلك يقولون : " كل ما تراه بعينك فهو الله " : إذاً هو الآن على ما عليه كان معناه ليس ثمة خالق ولا مخلوق وإنما هو شيء واحد ، لذلك يقولون في توحيدهم : لا هو إلا هو ، بل يفصحون فيبطلون التوحيد الذي جاءت به الرسل كلهم : " لا إله إلا الله هذا توحيد العامة ليس توحيد الخاصة، توحيد الخاصة لا هو إلا هو، وخاصة الخاصة: هو هو " ، يعني ما في خالق ومخلوق خلاصة الأمر.