بيان حكم قبول المسلم الهديةَ من المشرك أو الكتابي. حفظ
الشيخ : لكن هنا يُقال : هل هذه قاعدة: " لا يجوز للمسلم أن يقبل هدية المشرك " ؟!
نحن نجد في كثير من أحاديث الرسول عليه السلام الصحيحة أنه كان يقبل هدايا بعض المشركين ، وفي الغالب كان هؤلاء مِن رؤوس الناس مِن الأمراء ، ولكن كما قلت هذا كان في الغالب وإلا أحياناً كان يقبل أيضاً من عاديّ الناس ، وما أحد منكم لا يذكر قصة اليهودية التي أَهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذراعَ شاةٍ ودسَّت في الذراع السُّم ، فجلس الرسول عليه السلام ليأكل ومعنى ذلك أنه قبل الهدية منها ، فجلس ليأكل ، كان سبقه أحد الصحابة فأكل فأحس بالسم ومات ، أما الرسول عليه السلام فما كاد يمد يده إلى الشاة المسمومة إلا ورماها وقال : ( إنها تحدثني بأنها شاة مسمومة ) : فمثل هذا الحديث فيه أن الرسول عليه السلام كان يقبل الهدية من المشرك ، فلماذا هنا يقول معللاً رفضه لناقة عياض : ( إني أكره زَبْد المشركين ) ؟
الجواب : أن ما تضمنه هذا الحديث هو الأصل ، أي : أنَّ المسلم يجب أن يعيش بعيداً عن قبول هدايا المخالفين له في عقيدته خاصة من كان منهم من المشركين ، لأن الهدية لها معنى نفسي قد لا يشعر بها الإنسان وبتأثيرها إلا بعد زمن مديد وطويل ، هذا المعنى النفسي هو الذي أشار إليه الشاعر العربي القديم حين قال :
" أَحسِنْ إلى الناسِ تستعبد قلُوبَهمُ *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ "
فقبول الهدية فيه تأثير في نفس المـُهدى إليه يحمله على أن يميل بعض الميل إلى المـُهدِي وقد يكون كما سمعتم كافراً ، وفي ذلك حمل للمهدَى إليه إلى أن يتساهل بالنسبة للدعوة مع المخالفين مع الكفار ، فيؤدي ذلك إلى الإخلال بما هو المأمور به من الصدع بالحق وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ، ومن هنا يكون مِن كمال الأُمراء بل والعلماء أن لا يعوِّدوا الناس لتقديم الهدايا إليهم ، لأن هذه الهدايا لها تأثير في نفوس الأُمراء والعلماء وقد يوصل ذلك أحدَهم إلى أن يُجامل المـُهدي بالحكم فيما إذا اختلف مع بعض الناس في قضية ما فرفعها إلى الأمير أو إلى الحاكم أو إلى العالم وكان مِن قبل يعطيه هدايا ، فقد تحمله هذه العطايا على أن يشد في حكمه أو يشتد في حكمه على خصم المـــُهدي ويلين في حكمه مع المهدي ، لذلك فالأصل قطع دابر الهدايا بين المسلم والكافر ، بل وبين المسلم الذي له كيان وله وجاهة وله مركز مرموق وبين عامة الناس حتى لا يتأثر بهداياهم .
فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يقبل بعض الهدايا كان ذلك من باب تأليف القلوب ، ولكن لم يجعل ذلك قاعدة له عليه الصلاة والسلام ، ولذلك جاء في هديه صلى الله عليه وسلم : ( أنه كان إذا أُهدِيَت إليه هدية قبلها وأثاب بخيرٍ منها ) ، هكذا يبدو لي لكل من كان لا بد من أن يقبل هدايا الناس أن يقابلهم بالمثل ، وألَّا يكون ذلك إخلال في حياته الإسلامية وإن كان ليس إخلالاً يرميه في المعصية ، ولكنه ينافي الكمال ، والكمال لله وحده .
أعتقد أن جواب هذا السؤال نرجيه ليوم الأحد ليوم آخر بحجة أن بعض الأخوات ما بيتمكنوا من الحضور ، يتحتاج إلى دراسة شخصية مني أولاً ، ثم ممن لم يحضرنا اليوم حتى تكون القضية شورى بين الجميع ، فالبحث يكون إن شاء الله في الدرس الآتي ، وبهذا القدر كفاية.