كيف استطعت أن تجمع بين طلب العلم وبين العمل في مهنتك ؟ حفظ
السائل : طيب بالنسبة للجمع ما بين الوظيفة وتحصيل العلم ؟
الشيخ : يعني الصنعة تقصد ؟
السائل : الصنعة ، نعم .
الشيخ : ما يسمعك واحد مثل ذاك فيستغلها منك ويقول الشيخ كان موظَّف .
نعم ، هذا أمر يعني -الحمد لله- من توفيقات الله عز وجل ، كما كنتُ حين كنتُ عند والدي أغتنم فرصة فراغ وعدم وجود عمل عند والدي كنت أنطلق إلى السوق وإلى ذاك المصري لأقلِّب ما عنده مِن كتب ، فيما بعد أصبحت حُرًّا طليقًا ، لما استقللت في الدكان ، ويبدو أن ربنا عز وجل يعني فطرني على القَناعة ، وبخاصَّة حينما أمَّنت لي دُكَّاناً ، وأمَّنت لي داراً ، فتخلَّصت من أجرة الدار والدكان ، وقلت لك آنفاً : أني لما خرجت من والدي واستقللت بدكَّاني وعملي ، قلت : وقال الكريم : خُذْ ، يعني الزبائن كَثُرت ، فوفَّرت ما به استطعتُ أن أشتري قطعة أرض خارج التنظيم ، تبقى رخيصة هذه ، وبنيت أيضًا بدون رخصة ، لأنه ما هي مُنظَّمة المنطقة ، فتآويت في هذه الدار ، دار متواضعة ، يعني قَدّ ربع أو أقل مِن هذه الدار التي رأيت بعضها ، فخلصت من أُجرة السكن ، ثم وفَّرت شيئاً وأعانني أيضاً بعضهم قرضاً حسناً فاشتريت قطعة أرض بقيَّة دار كان مرَّ عليها الطريق ، فبقي مكان منها لدكان فعمَّرتها ، وسكنت فيها واستغنيت ، فما بقي عليَّ أن أؤمن مِن الكسب إلا مقدار ما أُعين نفسي وزوجتي ثم أولادي .
لهذا بعد أن استقررت هذا الاستقرار كنت أعمل في دكاني ساعة ساعتين من الزمن إلى الساعة الثامنة أو التاسعة حينما تفتتح المكتبة الظاهرية أبوابها ، فأُغلق الباب وأنطلق للمكتبة الظاهرية ثلاث ساعات على الأقل قبل الظهر ، ثم أُصلي الظهر هناك جماعة مع بعض المرتادين على المكتبة ، فإذا أَغلقت أبوابها ذهبت إلى دكاني ، عملت فيها نصف ساعة ساعة من الزمن إلى أن يحضر وقت الغداء ، فأذهب إلى الدار ، وكنتُ اشتريت دراجة عادية فأركبها ، وللتاريخ أقول : لأول مرَّة رأى الدِّمشقيون شيخًا بعمامة بيضاء، عمامة بيضاء مكورة مش هذه .
السائل : الغترة !
الشيخ : الغترة يركب دراجة عادية ، حتى قيل لي أنا ما رأيت : كان عندنا مجلة تسمَّى بـ * المضحك المبكي * يصدرها رجل لعله نصراني ، كان ذكر هيك بعض الغرائب والنكت ، فذكر منها أن شيخ يركب دراجة عادية.
السائل : قصدك أنت أستاذي ؟!
الشيخ : إي نعم ، لأن ما في غيري يومئذٍ يعني ، وأنا لا أبالي بالتقاليد والعادات ، أنا بهمني أوفر وقتي ، وبلا شك لو عندي استطاعة إني اشتري سيارة ما رَحْ أركب دراجة ، وكنت يومئذٍ متعمماً بناء على الأفكار المذهبية السابقة وبعض الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة : ( صلاة بعمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة ) ، إي نعم ، وكنت ألبس أيضًا جُبَّة ، ولو أني اشتريتها لضيق ذات اليد جاهزة ، لكن مع الزمن عرفت أن هذه التقاليد ما أنزل الله بها مِن سلطان ، فطاحت الجبَّة ، وطاحت العمامة ، وأخذت ألبس ما يلبس الناس .
السائل : إيش طيب لون العمامة كنت تلبسها ؟
الشيخ : عمامة بيضاء مثل ما بتشوف هنا مثلًا !
السائل : اللفة يعني .
الشيخ : نعم اللَّفَّة مثلًا لفة وزيركم تبع الأوقاف .
السائل : نعم زيها.
الشيخ : على طربوش أحمر زي والدي يعني.
السائل : الأزهرية عندنا كدا .
الشيخ : بس لفَّة الأزهريين يعني بسيطة ، يعني ما فيها هالدرجات وهالطبقات أنت ما رأيتها ؟
السائل : ما رأيتها .
الشيخ : ما رأيتها .
المقصود فكنت أقنع من العمل بالشيء القليل ، وأوفر سائر الوقت للمكتبة الظاهرية .