حديث الشيخ عن حياته وتدريسه في الجامعة الإسلامية . حفظ
الشيخ : وقصتي في الجامعة في ظنِّي نادِرة الوقوع مِن أستاذ مادة تُدرَّس في الجامعة ، فقد كنتُ مع الطلاب كأني واحدًا منهم ، وهناك صور يعني تقرِّب لهم هذه الحقيقة ، مثلًا إذا انتهيتُ مِن حصَّتي مِن تدريسي وجاءت الفسحة أو الفرصة عادةً الأساتذة ينطلقون مِن درسهم إلى غرفة وهناك يجلسون مدَّة الفسحة أظن كانت عشر دقائق أو ربع ساعة ما عاد أذكر جيِّدًا ، يكرعون الشاي ويشربون القهوة ويتحدَّثون شتى الأحاديث ، أمَّا أنا فكنت أُعرض عن ذلك كلِّه ، وأخرج من الدرس إلى الساحة ، وأجلس على الأرض الرملية هذه ويجتمع الطلاب الذين كنتُ أدرِّس عليهم قُبيل دقائق ، ويجتمع الطلاب من كل السنوات في هالحلقة في العراء ، وأُلقي عليهم بعض التوجيهات بعض النصائح جواب عن بعض الأسئلة ، وهكذا قضيت كل ثلاث السنوات التي درستها في الجامعة ، وأذكر جيِّدًا أنَّ مَن يُسمَّى بمصطلح الجامعات بــــــ المـــــُعيد أنه مرَّ عليَّ ذات يوم قال : السلام عليكم . قلت : وعليكم السلام . قال : تدري يا شيخ أن الدرس الحقيقي هو هذا ؟ وكأنه ينبِّئني ... في هذه الحلقة كانوا يأخذون حرِّيَّتهم ومجدهم .
في الدرس النظامي صحيح أنا كنت معهم واسعًا أيضًا ، لكن مع ذلك فالأمر لا بدَّ من حدود يعني وقيود ، فهذه صورة تفرَّد الألباني من بين كل الأساتذة هناك في الجامعة ، وكان له آثار أخرى طيبة ، مثلًا الألباني إذا دخل الجامعة قبل الدرس مثلاً بدقائق تحلقوا حول السيارة حتى ضاعت السيارة بينهم لا تُرى ، وكل واحد يُسابق أخاه لكي يتوجَّه بسؤال لديه ، وإذا خرجتُ تسابقوا أيضًا ليركبوا معه إلى المدينة ، أولًا حتى لا يتأخَّروا بالذهاب .
ثانيًا : يكسبونها فرصة كما يفعل صاحبنا ، هههههه ، وهكذا كان ديدني في الذهاب والإياب ، مع أنّه ليس معي أحد في سيارتي لكنها مشحونة بالطلاب ذهابًا وإيابًا .
في الذهاب أجد طلابًا منقطعين في الطريق بالرغم أنّهم كان لهم باص خاص ، يقف الباص عند المسجد النبوي وفي ساعة مُعيَّنة ينطلق ، ولا بد أن بعض الطلاب يتأخرون فيركضون سيرًا على الأقدام مِن المدينة إلى الجامعة ، فأنا التقطهم بالسيارة ، وأحمِّلها فوق وزنها المعتاد في سبيل أنهم يُدركون الدرس في أوله ، بينما كنت ترى الأساتذة الآخرين كأنهم ملوك ، ما يركبون معهم أحدًا إطلاقًا ، فلا يخفاك يعني هذا الوضع أوجد في نفوس الطلاب تعلقًا بالألباني وحبًّا عجيبًا جدًّا ، زِدْ على ذلك أنه جاءهم بعلم ما سمعوا به من قبل ، أستاذ التفسير الفقه الأصول يروون لهم أحاديث تتناسب دروسهم ، فصاروا الأساتذة أنفسهم يسمعوا لغة جديدة ، يا أستاذ هذا الحديث مين رواه ؟ فلان . طيب ، إسناده صحيح ؟ فُوجئ الأساتذة بمثل هذه النغمة .
وأذكر أيضًا جيِّدًا حادِثة وقعت : أُستاذ الأصول جاء بالحديث ، حديث له علاقة بالأصول ، أيوا : ( اختلاف أمتي رحمة ) ، أظن هذا أو نحوه تذكرون حديثًا يُشابهه وهو غير صحيح ؟
السائل : ... .
الشيخ : لا هذا صحيح ، المهم .
السائل : ... .
الشيخ : لأ ، هذا الحديث حديث معاذ بن جبل ، حديث معاذ بن جبل : ( بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله ... ) .
فجاء لهم بهذا الحديث في درس الأصول محتجًّا به على القياس طبعًا ، كان في الدرس أخونا عبد الرحمن عبد الخالق الذي هو في الكويت ، هذه كانت السنة الثالثة ، قال لي : يا أستاذ ، هذا حديث صحيح ؟ قال له : نعم . قال : سمعنا الشيخ الألباني يقول : أنّ هذا حديث منكر . ما أدري إيش كان جوابه ، لكن كان طبعًا غير راضي عن الموقف مِن هذا الطالب ، بعد أيام جاءني الشيخ المدرِّس في مادة الأصول إلى داري ، قال لي : بلغني كذا وكذا ، أنك تقول عن هذا الحديث بأنه منكر . قلت : نعم . قال : أين أنت كاتب شيء في هذا الموضوع ؟ قلت : نعم ، في * سلسلة الأحاديث الضعيفة * ، وهذا في المجلد الثاني كما تعلمون ولم يكن قد طُبِعَ يومئذٍ ، قال : ممكن أطَّلع عليه ؟ قلت : نعم . وريته المقال ، فأنا أوردت هناك كل ما يُقال مِن طرق وبيَّنت عللها الواهية ، وإذا به في درس آخر يؤكد لهم أنّ الحديث صحيح والشيخ الألباني نفسه أتى بهذا الحديث بطرق تقوِّيه ، بينما هي لا تزيده إلا وَهنًا على وهن .
يعني مثل هذه الصورة ، وهذه الظاهرة الغريبة جدًّا في جامعة ، وتكتُّل الطلاب حولي أثار حفيظة بعض الأساتذة ، فكتبوا إلى المفتي -والله أعلم- مباشرةً أو إلى الملك ، وصوَّروا لهم بأنّ هو مشكِّل حزب ويُخشى أن يعمل شيء وانتهت السنة الثالثة ، وأنا رجعت إلى دمشق مقرِّي لقضاء العطلة الصيفية ، كان يومئذٍ الشيخ ابن باز -جزاه الله خير- هو نائب الرئيس ، أو هو الرئيس الفعلي ، هداك رئيس فخري ، وإذا به يكتب إليَّ قبل أُسبوع أو أسبوعين من رجوعي للمدينة ، وأذكر جيِّدًا أن بعض أولادي وهو عبد اللطيف كان عليه إِكمال في درس من الدروس ، فأرسلته أَمامي حتى يقدِّم الامتحان ، وإذا بي أُفاجئ بالخطاب من الشيخ ابن باز بأنه جاءه خطاب من قبل المفتي بأنّ ما في داعي هذه السنة لتجديد العقد مع الشيخ الألباني ، وبذلك انتهت علاقتي بالجامعة ، وكتب لي كلمة طيبة جزاه الله خير يقول : " ومثلك يعني في أيِّ ثغرة كان فهو يقوم بواجبه "، إي نعم .
فخلاصة الجواب أنّي أنا طُلبت للتدريس ، يظهر لأنهم بعد ما كانوا ملتزمين بالقوانين الجامعية ، ولأنهم بحاجة إلى شخص يثقون بعلمه وبعقيدته في آنٍ واحد ، فهذا وذاك هو الذي حملهم على أن ينتدبوني إلى التدريس .