تتمة فوائد حديث : ( إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه ... ). حفظ
الشيخ : هذا معنى الحديث، وأما فوائده ففوائده كثيرة منها: أنّ الله سبحانه وتعالى لم يضيّق أسباب الرّزق ولم يغلق أبوابها، بل الأبواب مفتوحة فكلّ طريق يوصل إلى الرّزق فهو حلال إلاّ إذا قام الدّليل على تحريمه سواء كان صيدًا، أو حرثًا في الأرض، أو بيعًا وشراءً، أو غير ذلك، ودليل هذا أنّ الشارع جعل من جملة أسباب التّملّك إيش؟ الصّيد.
ومن فوائد الحديث: التّوسعة على الأمّة فإنّ الصّيود كما نعلم ليست سهلة، يعني: لا تمسك باليد ولا بالمطاردة فيسّر الله سبحانه وتعالى الأسباب لاقتناصها وجعل لها آلة تحيط بها وهي الكلاب والسّهام، ولكن قد يقع التّسهيل لاقتناص الصّيود امتحانًا مثل قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا ليبلونّكم الله بشيء من الصّيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب )) وذلك أنّ الله تعالى أرسل الصّيود على الصّحابة وهم محرمون حتّى كانت أيديهم تناله ورماحهم، اليد تنال ما يزحف كالأرانب والضّباء، والرّماح تنال ما يطير، الرّمح يقذفه الإنسان بيده وليس من العادة أن الإنسان يقتنص الصّيد الطائر بالرّمح ولكنّ الله عزّ وجلّ ابتلى الصّحابة (( ليعلم الله من يخافه بالغيب )) فعلم الله عزّ وجلّ من هؤلاء الصّحابة الأخيار أنّهم يخافونه بالغيب، ولم ينقل عن أيّ واحد أنّه أخذ الصّيد الزّاحف الذي ينال باليد أو الطائر الذي يناله بالرمح، وهذا ما يدل على كمال هذه الأمّة ولله الحمد فإنّ بني إسرائيل ابتلاهم الله تعالى بالحيتان يوم السّبت وقد حرّم عليهم صيدها فماذا صنعوا؟
الطالب : ...
الشيخ : احتالوا عليها كما هو معروف في القصّة، لكن هذه الأمة ولله الحمد لم يخطر ببالها هذه الحيلة.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التّسمية، قبل ذلك من فوائد هذا الحديث: جواز الصّيد بالكلاب لقوله: ( إذا أرسلت كلبك ) وكما سمعنا في المناقشة أنه يشمل ما إذا أرسل كلب غيره وتقييد الكلب بإضافته إلى المرسل من باب الغالب فلا يكون مخرجًا لما سواه، فهل يلحق بالكلب ما سواه مما يصاد به؟ الجواب: نعم، لكنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ذكر الكلب لأنّ غالب ما يصاد به في عهده هو الكلاب، فإذا وجد غير الكلاب كالفهود وغيرهم مما لا نعلمه ويعلمه أهل الصّيد فإنه يحلّ، وهذا الحديث بالنّسبة للآية أخفّ من الآية، والآية أعمّ وهذا شيء قليل، يعني: قليل الوجود، الغالب أنّ النّصوص النّبويّة تكون أعمّ لكن في هذه الحال صار النّص القرآني أعمّ من السّنّة لقوله تعالى: (( وما علّمتم من الجوارح مكلّبين )) من الجوارح عامّ يشمل الكلاب وغيرهم، لكن قلت لكم إنّ تقييد السّنّة ذلك بالكلاب بمعنى أنّ ذلك هو الغالب.
ومن وفوائد هذا الحديث: وجوب ذكر اسم الله تعالى على الكلب إذا أُرسل لقوله: (( فاذكروا اسم الله عليه )) وهل المراد ذكر هذا اللفظ بعينه أو ذكر كلّ اسم يختصّ بالله، يعني بمعنى هل يجب أن تقول بسم الله أو يجوز أن تقول بسم الرّحمن؟ بسم الواحد القهار؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : الظاهر الثاني، المراد بذلك الثاني وأنه إذا ذكر الإنسان أيّ اسم يختصّ بالله جاز، لكن من باب الاحتياط نقول الأولى أن تقول: بسم الله، نعم.
من فوائد هذا الحديث: تيسير الشّريعة حيث كانت التّسمية ليست عند إصابة الصّيد بل عند إرسال الجارحة السّهم أو الكلب.
ومنو فوائد هذا الحديث: وجوب تذكية الصّيد إذا أدركه حيًّا لقوله: ( فأدركته حيًّا فاذبحه ) فإذا قال قائل: لماذا؟ قلنا: لأنّ الإنسان الآن، لأنّه قادر على ذبحه، قادر على ذبحه فهو كالذي قدر عليه من قبل، فإن قيل: ما الفرق بين الذّبح والصّيد؟ قلنا الصّيد يحلّ بجرحه في أيّ موضع ببدنه والذّبح لا يكون إلاّ في الحلق واللّبّة خاصّة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يشترط فيما صاده الكلب أن لا يأكل منه لقوله صلى الله عليه وسلّم: ( وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ) فمفهومه أنّه إن أكل؟
الطالب : فلا تأكل.
الشيخ : فلا تأكل، ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط إنهار الدّم فيما صاده الكلب، من أين يؤخذ؟ من قوله: ( قد قتل ) ولم يشترط أن ينهر الدّم، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء فمنهم من أخذ بذلك وقال: إذا جاء به الكلب وقد قتله ولو خنقًا فإنه يحلّ لقوله: ( قد قتل ) ولم يشترط إنهار الدّم ولم يقل قد ذبحه ولم يقل نحره مثلًا، وهي عندي محلّ توقّف لأنه تعارض فيها مفهوم هذا الحديث وعموم قوله: ( ما أنهر الدّم وذكر اسم الله عليه فكُل ) ويرجّح الثاني أنه لا بدّ من إنهار الدّم يرجّحه أنّ عدم إنهار الدّم وموت الحيوان ودمه فيه ضرر، فيه ضرر على الإنسان والشارع ينهى عن كلّ ما فيه ضرر، فالظاهر أنّه لا يحلّ إلاّ ما جرحه لكن إذا جرحه بأيّ موضع من بدنه فهو حلال.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّنا إذا شككنا في شرط الحلّ فإنه لا يحلّ، إذا شككنا في شرط حلّ الشّيء فإنّ الشّيء لا يحلّ، من أين يؤخذ؟ من قوله: ( وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره فقتل فلا تأكل ) لأننا الآن قد تيقّنا أن الصّيد قد مات وأنّه مات إما بفعل الكلب المرسل وإما بفعل الكلب المهمل أو بهما جميعًا وشككنا في شرط الحلّ، والأصل؟ عدم الحلّ، والأصل عدم الحلّ، وليس هذا معارضا لقولنا إنّ الأصل في هذا الحيوان الحلّ، لأنَّ الحلّ في الحيوان يشترط لحلّه أن يذكّى ذكاة شرعيّة.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى القاعدة المعروفة عند العلماء وهي أنّه إذا اجتمع مبيح وحاظر إيش يغلّب؟
الطالب : جانب الحظر.
الشيخ : جانب الحظر، فهذا الذي قتل ونحن لا نعلم أشترك فيه الكلبان أو انفرد به أحدهما حصل فيه هذا الشّيء، اجتمع فيه مبيح وحاضر فغلّب جانب الحضر.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( فإنّك لا تدري أيهما قتله ) وهكذا ينبغي للمفتي أن يذكر ما يقتنع به المستفتي، لأنه إذا ذكر للمستفتي ما يقتنع به أخذ الفتيا بقلب مطمئنّ واستراح لها، ويمكن أن يكون ذلك فتح باب للمناقشة حتى لو كنت تعلم أنه مقتنع بما تقول وإن لم تعلّل أو تدلّل، فالأحسن أن تعلّل أو تدلّل ما لم تخش بذلك اشتباهًا أو التباسًا لأنه ربّما إذا لم يعلّل للعامي نعم يحصل بذلك؟
الطالب : خلل.
الشيخ : التباس، العامي قل له هذا حرام وهذا حلال وخلّيه يمشي، لكن لو تقول له هذا حلال لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وإذا كان في حديث آخر ظاهره التّعارض لا التباس به قلت ولا يعارضه قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كذا وكذا، ووجه الجمع بينهما أنّ بينهما عموم وخصوص من وجه فيقدّم هذا من جهة، لكن حسب الحالة إذا كان عاميًّا أحسن ما تقول حرام وإلاّ حلال، حتى لو كان في المسألة خلاف إن ترجّح لك أحد القولين قل ما ترجح عندك ولا يهمّك أحد، وإذا لم يترجّح عندك أحد القولين قل هذا فيه خلاف، إذا حدّك قل ... أعطنا الرّاجح، هذه مشكلة يبقى الإنسان في حيرة إذا لم يترجّح عنده شيء، فمثل هذا إذا كنت في بلد فيه من هو أعلم منك فقل اسأل غيري وخلّيه يمشي وتسلم منه.
من فوائد هذا الحديث: أنّنا إذا علمنا بعد اشتراك الكلبين في الصّيد أن الذي قتله هو صيد المرسل فهو إيش؟ حلال وإلاّ حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال؟ من أين نأخذ ذلك؟ من قوله: ( فإنّك لا تدري أيهما قتله ) الآن جاء وقت الأسئلة، نعم؟
السائل : ما الفرق بين قوله: (( فاذكروا اسم الله عليه )) وقوله: (( وربك فكبر ))...
الشيخ : نعم.