فوائد حديث :( عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوماً يأتوننا باللحم لاندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد منها: اشتراط التّسمية لحلّ الذّبيحة، وجه ذلك أنّ الصّحابة سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن هذا، ولولا أنّهم قد تقرّر عندهم أنّ اللحم لا يؤكل إلاّ إذا ذكر اسم الله على الذّبيحة ما سألوا لكن هذا متقرّر عندهم.
ومنها: ورع الصّحابة رضي الله عنهم حيث سألوا عن هذه المسألة المشكلة وهذا يدلّ على ورعهم وتحرّيهم، فالورع من طريق الصّالحين وحقيقته أن يدع الإنسان ما فيه مضرّة في الآخرة، كلّ إنسان يدع ما فيه مضرّة فإنه يعتبر ورِعًا، والزّهد أكمل من الورع الزهد أن يترك ما لا نفع فيه في الآخرة، فكل ما لا نفع فيه من أمور الدّنيا إذا تركه الإنسان فهذا زاهد، وكلّ ما فيه ضرر إذا تركه الإنسان فهو ورع.
من فوائد الحديث: أنّ الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يسأل عنه لأنّ الأصل السّلامة، وإذا كان الأصل السّلامة كان السّؤال عنه تعنّتًا، ويدلّ لذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم عرّض بهؤلاء السائلين حيث قال: ( سمّوا الله عليه أنتم وكلوه ) كأنه يقول لستم مسؤولين عن فعل غيركم، فعل غيركم المسؤول عنه الفاعل أما أنتم فمسؤولون عن أيّ شيء؟ عن فعلكم بأنفسكم ولهذا قال: ( سمّوا الله عليه أنتم وكلوه ) يقول سمّوا وما عليكم من غيركم.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التّسمية على الأكل لقوله: ( سمّوا الله عليه أنتم وكلوه ) وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنّ التّسمية على الأكل والشّرب سنّة، ومنهم من قال: إنّها واجبة والصّحيح أنّها واجبة، وأنه يجب على الإنسان إذا أكل أو شرب أن يسمّي، وذلك لأمر النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتى إنّه أمر الغلام الصّغير وهو عمر بن أبي سلمة حين كان يأكل مع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فقال له: ( يا غلام سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك ) ولأنّ الإنسان إذا ترك التّسمية شاركه الشّيطان في أكله فيشاركك أعدى عدوّ لك في أكلك، وإذا سمّيت صارت تسميتك حصنًا منيعًا يمنع الشّيطان من مشاركته، فالصّواب أنّ التّسمية على الأكل والشّرب واجبة، فإن قال قائل: إذا نسيت أن أسمّي في أوّل الأكل وذكرت في أثنائه فماذا أصنع؟ نقول: قل بسم الله أوّله وآخره كما جاء في الحديث واستمرّ، فإن انتهى الإنسان من الأكل ولم يذكر إلاّ بعد أن انتهى ماذا يقول؟ يقول: الحمد لله لأنّ التسمية فات محلّها، وقد قال الله تعالى: (( ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )).
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ هذه الشّريعة ميسّرة حيث إنّنا لا نطالب في السّؤال عن فعل غيرنا، لأننا إذا طلبنا بذلك لَلَحِقنا بهذا مشقّة عظيمة، أذكر لكم المثال: وجدنا لحمًا يباع في السّوق لو كان يلزمنا أن نبحث لبحثنا عن الذّابح هل هو يصلّي أو لا يصلّي، ثمّ بحثنا سمّى أو لم يسمّ، ثمّ بحثنا هل أنهر الدّم أم لم ينهر الدّم، ثمّ بحثنا عن الذّبيحة هل هي ملك له أو لمن استنابه له أو لمن استنابه في ذبحها أو لا؟ ثم إذا قالوا هي ملك لفلان ثبت عندنا نقول من أين جاءتك؟ اشتراها من فلان، طيب فلان هو مالك حين باعها أو قائم مقام المالك؟ قالوا نعم ثبت، قلنا طيّب ممّن اشتراها؟ من فلان، هل هو مالك؟ إلى أن نصل إلى أوّل ما خلق الله الذّبائح، لكن من نعمة الله عزّ وجلّ أنّ فعل غيرنا لا نكلّف به، طيب يبقى عندنا الآن هذه الذّبائح التي تردنا من الخارج هل لنا الحقّ أن نسأل مَن الذّابح؟ من الذّابح نعم إذا كان وردت من بلاد يمكن أن يتولّى ذبحها من يحلّ ذبحه أو من لا يحلّ فلا بدّ أن يسأل عن الذّابح، إذا قيل لنا أنّ الذّابح من أهل الكتاب هل لنا أن نسأل كيف يذبح؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، هل سمّى؟ لا، هل ذكر اسم المسيح أو غيره؟ لا، لأنه ما دام ثبت عندنا أنّها ممّن يحلّ ذبحه فليس لنا أن نسأل كيف ذبحه؟ لا نسأل عن هذه الأمور، ويعتبر السّؤال عن هذا من باب التّعنّت والتّنطّع، طيب فإن قال قائل هو ورد من دولة فيها أهل كتاب وفيها مشركون وفيها ملحدون نسأل من الذي يتولّى الذّبح، إذا قالوا أن الذي يتولّى الذّبح في المذابح كتابيّون ماذا نقول؟ حلال، حتى لو كانت البلد شيوعيّة إذا علمنا أنّ الذي يتولّى الذّبح كتابيّون أو مسلمون، يوجد الآن مسلمون في بلاد شيوعيّة يتولّون المذابح إذا قالوا أنّهم مسلمون أو كتابيّون قلنا هي حلال، فإذا قالوا لا ندري من يتولّى الذّبح، لا ندري أهم مشركون وثنيّون أو كتابيّون أو مسلمون لا ندري، والبلد خليط من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء فماذا نصنع؟ نقول الأكثر، الأكثر إذا الأكثر يمكن أن يتولّوا الذّبح فإن كان الأكثر هم التّجّار والأغنياء والذين لا يمكن أن يتولّوا الذّبح فلا عبرة بالأكثرية هنا، لأننا نعتبر الأكثر فيما إذا كان الإحتمال واردا أن يكون الذّابح هو الأكثر أو لا، وإذا كنّا نعلم أن الأكثر هم الكبار والأغنياء الذين لا يمكن أن يتولّوا الذّبح سقط ترجيح الأكثريّة حينئذ، ويبقى الآن أنّه فيه صعوبة جدًّا إذا سقطت الأكثرية أو إذا سقط التّرجيح بالأكثر سيبقى الأمر مشكلًا تمامًا، فنقول في هذه الحال اتركوا لا تأكلوا، طيب لكن أنا أخبركم بالنّسبة للبلاد السّعوديّة أنه جرى مناقشة هذا الأمر في هيئة كبار العلماء، ودعوا وكلاء الوزارة مرّة أو مرّتين يسألونهم كيف ترد إلينا هذه الذّبائح؟ فقالوا إنّ هناك أناسًا موكّلين بالإشراف وأنه لا يمكن أن يرد إلى المملكة إلاّ ما أشرف على ذبحه وأنّه بطريق شرعيّ ونحن في ذمّة غيرنا، لكن من أراد أن يسلك الورع فهذا شيء آخر بشرط أن يكون للورع محلّ، أمّا إذا كان الورع من باب التّنطّع فإنّه ليس بورع.
فإن قال قائل وهو أيضًا يورد الكتابيّون في الوقت الحاضر ملاحدة لا يؤمنون إيمان عيسى ولا إيمان بموسى، قلنا ولو كان الأمر كذلك ما داموا ينتسبون لليهوديّة أو النّصرانيّة فإنهم وإن كانوا مشركين ذبائحهم حلال، والدّليل أنّ الله تعالى قال في سورة المائدة: (( وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم )) وقال في نفس السّورة: (( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة )) فكفّرهم عزّ وجلّ مع أنّه حكم بحلّ ذبائحهم لأنهم ينتسبون إلى هذا الدّين، ثمّ نقول أيضًا مجرّد ما يبقون على دينهم بعد بعثة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كانوا كفّارًا بمجرّد أن يأبون دخول الدّين الإسلامي، فالمسألة ليست مسألة كفر وإيمان هم وإن طبّقوا اليهوديّة والنّصرانيّة مائة بالمائة فهم كفّار بعد بعثة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، والمسألة ليست مسألة كافر أو مؤمن، بل المسألة أنه منتسب لأهل الكتاب إذا انتسب لأهل الكتاب حلّت ذبيحته وإن كان ملحدًا في دينه.
طيب من فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يضيّق على نفسه في الأمور التي أطلقها الله ورسوله، لأنّ التّضييق على النّفس يوجب الحرج والمشقّة سواء كان ذلك في تبيان الحكم أو في العمل، فإن الإنسان إذا شقّ على نفسه شقّ الله عليه كما يروى عن النّبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم ) سواء كان ذلك في الحكم أو في التّطبيق، فمثلًا في التّطبيق بعض النّاس يتشدّد في الطهارة أو في أقوال الصّلاة أو في أفعالها، نعم يتشدّد فيشدّد الله عليه فبدل أن يغسل يديه ثلاث مرّات يغسلها ستّ مرات لأنّه شدّد على نفسه، أو في العمل تجده مثلًا في العمل يريد أن يقرأ القرآن، يقرأ القرآن بالتجويد كما زعم، فتجده عند خروج الحاء يخرجها حتى يكرّها كرّا في حلقومه وربّما تأخذه السّعلة من أجل هذا، عند القلقلة يقلقل حتى كأنما قلقل رجليه من الأرض وهكذا أيضًا في بقيّة القواعد التّجويدية فيتنطّع ويزيد على المشروع فإذا شدّد شدّد الله عليه، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه في وصف أصحاب النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: " إنّهم أقلّ النّاس تكلّفًا " ما عندهم كلافة لا في العمل ولا في التّطبيق، كذلك إذا شدّد الإنسان شدّد الله عليه في الحكم أيضًا، يشدّد الله عليه بمعنى أنّه قد يوجب على نفسه ما لم يوجبه الله عليه إذا كان قد انتهى زمن التشريع، وقد يوجب الله عليه ما لم يجب إذا كان في زمن التّشريع، ولهذا امتنع النّبي عليه الصّلاة والسّلام من الصّلاة في رمضان، صلاة تطوّع وقال: ( إنّي خشيت أن تفرض عليكم ) يعني: أن تلتزموا بها فتفرض عليكم، ولمّا أمر موسى عليه الصّلاة والسّلام قومه أن يذبحوا بقرة ما رأيكم لو أخذوا أيّ بقرة وذبحوها يجزئ وإلاّ ما يجزئ؟ يجزئ، ولو فعلوا هذا سهل عليهم الأمر ولكن قالوا: (( ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي )) وش هذه البقرة؟ وش عملها؟ وش سنّها؟ وش لونها؟ قال في الجواب الأول؟
الطالب : (( لا فارض ولا بكر )).
الشيخ : (( لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون )). لكن ما فعلوا جاء السؤال عن إيش؟
الطالب : اللون.
الشيخ : عن اللون، ما لونها؟ (( قال إنّها بقرة صفراء )) ما هي صفراء فقط (( فاقع لونها )) كالذّهب (( تسرّ النّاظرين )) ثلاثة أوصاف: صفرة، فقوع اللون، سرور الناظر هذا فيه تشديد ما انتهوا، وفي هذه الآية ما قال افعلوا ما تؤمرون لأنّ الذين عتوا في الأول سيعتون في الثاني (( قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا )) إيش تشابه عليكم؟ واضح لكن بنو إسرائيل أفهامهم حجر (( إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون )) ما جزموا، (( قال إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها )) لا شية لا عيب فيها، ثمّ صاروا هم الحكّام وليس موسى هو الحاكم (( قالوا الآن جئت بالحقّ )) هم الذين حكموا بأنّ هذا هو الحقّ (( فذبحوها وما كادوا يفعلون )) نسأل الله العفو، فالمهم أنّ الإنسان إذا شدّد على نفسه فإنه يشدّد عليه، مثلًا ظنّ في طرف ثوبه نجاسة، ظنّ احتار قال أغسله أريد أحتاط فرشّش الماء اغسل ما حوله قال الغسلة الثانية ما تطهّر فرشّ مساحة أكبر، ثمّ يمكن يغسل الثوب كلّه عشان هذا، لأنّه شدّد على نفسه فإذا شدّد على نفسه شدّد الله عليه، وهكذا أيضًا في طريق الموسوسين أشياء غريبة، لكن لو أنّ الإنسان قطع هذا الأمر وأخذ بالأيسر سهّل الله أمره، فهذا الحديث أصل في أنّ الإنسان ينبغي أن لا يشدّد على نفسه ولا يبحث عن فعل غيره ما دام الفعل قد وقع من أهله فهو سليم صحيح، نعم.
ومنها: ورع الصّحابة رضي الله عنهم حيث سألوا عن هذه المسألة المشكلة وهذا يدلّ على ورعهم وتحرّيهم، فالورع من طريق الصّالحين وحقيقته أن يدع الإنسان ما فيه مضرّة في الآخرة، كلّ إنسان يدع ما فيه مضرّة فإنه يعتبر ورِعًا، والزّهد أكمل من الورع الزهد أن يترك ما لا نفع فيه في الآخرة، فكل ما لا نفع فيه من أمور الدّنيا إذا تركه الإنسان فهذا زاهد، وكلّ ما فيه ضرر إذا تركه الإنسان فهو ورع.
من فوائد الحديث: أنّ الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يسأل عنه لأنّ الأصل السّلامة، وإذا كان الأصل السّلامة كان السّؤال عنه تعنّتًا، ويدلّ لذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم عرّض بهؤلاء السائلين حيث قال: ( سمّوا الله عليه أنتم وكلوه ) كأنه يقول لستم مسؤولين عن فعل غيركم، فعل غيركم المسؤول عنه الفاعل أما أنتم فمسؤولون عن أيّ شيء؟ عن فعلكم بأنفسكم ولهذا قال: ( سمّوا الله عليه أنتم وكلوه ) يقول سمّوا وما عليكم من غيركم.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التّسمية على الأكل لقوله: ( سمّوا الله عليه أنتم وكلوه ) وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنّ التّسمية على الأكل والشّرب سنّة، ومنهم من قال: إنّها واجبة والصّحيح أنّها واجبة، وأنه يجب على الإنسان إذا أكل أو شرب أن يسمّي، وذلك لأمر النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتى إنّه أمر الغلام الصّغير وهو عمر بن أبي سلمة حين كان يأكل مع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فقال له: ( يا غلام سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك ) ولأنّ الإنسان إذا ترك التّسمية شاركه الشّيطان في أكله فيشاركك أعدى عدوّ لك في أكلك، وإذا سمّيت صارت تسميتك حصنًا منيعًا يمنع الشّيطان من مشاركته، فالصّواب أنّ التّسمية على الأكل والشّرب واجبة، فإن قال قائل: إذا نسيت أن أسمّي في أوّل الأكل وذكرت في أثنائه فماذا أصنع؟ نقول: قل بسم الله أوّله وآخره كما جاء في الحديث واستمرّ، فإن انتهى الإنسان من الأكل ولم يذكر إلاّ بعد أن انتهى ماذا يقول؟ يقول: الحمد لله لأنّ التسمية فات محلّها، وقد قال الله تعالى: (( ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )).
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ هذه الشّريعة ميسّرة حيث إنّنا لا نطالب في السّؤال عن فعل غيرنا، لأننا إذا طلبنا بذلك لَلَحِقنا بهذا مشقّة عظيمة، أذكر لكم المثال: وجدنا لحمًا يباع في السّوق لو كان يلزمنا أن نبحث لبحثنا عن الذّابح هل هو يصلّي أو لا يصلّي، ثمّ بحثنا سمّى أو لم يسمّ، ثمّ بحثنا هل أنهر الدّم أم لم ينهر الدّم، ثمّ بحثنا عن الذّبيحة هل هي ملك له أو لمن استنابه له أو لمن استنابه في ذبحها أو لا؟ ثم إذا قالوا هي ملك لفلان ثبت عندنا نقول من أين جاءتك؟ اشتراها من فلان، طيب فلان هو مالك حين باعها أو قائم مقام المالك؟ قالوا نعم ثبت، قلنا طيّب ممّن اشتراها؟ من فلان، هل هو مالك؟ إلى أن نصل إلى أوّل ما خلق الله الذّبائح، لكن من نعمة الله عزّ وجلّ أنّ فعل غيرنا لا نكلّف به، طيب يبقى عندنا الآن هذه الذّبائح التي تردنا من الخارج هل لنا الحقّ أن نسأل مَن الذّابح؟ من الذّابح نعم إذا كان وردت من بلاد يمكن أن يتولّى ذبحها من يحلّ ذبحه أو من لا يحلّ فلا بدّ أن يسأل عن الذّابح، إذا قيل لنا أنّ الذّابح من أهل الكتاب هل لنا أن نسأل كيف يذبح؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، هل سمّى؟ لا، هل ذكر اسم المسيح أو غيره؟ لا، لأنه ما دام ثبت عندنا أنّها ممّن يحلّ ذبحه فليس لنا أن نسأل كيف ذبحه؟ لا نسأل عن هذه الأمور، ويعتبر السّؤال عن هذا من باب التّعنّت والتّنطّع، طيب فإن قال قائل هو ورد من دولة فيها أهل كتاب وفيها مشركون وفيها ملحدون نسأل من الذي يتولّى الذّبح، إذا قالوا أن الذي يتولّى الذّبح في المذابح كتابيّون ماذا نقول؟ حلال، حتى لو كانت البلد شيوعيّة إذا علمنا أنّ الذي يتولّى الذّبح كتابيّون أو مسلمون، يوجد الآن مسلمون في بلاد شيوعيّة يتولّون المذابح إذا قالوا أنّهم مسلمون أو كتابيّون قلنا هي حلال، فإذا قالوا لا ندري من يتولّى الذّبح، لا ندري أهم مشركون وثنيّون أو كتابيّون أو مسلمون لا ندري، والبلد خليط من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء فماذا نصنع؟ نقول الأكثر، الأكثر إذا الأكثر يمكن أن يتولّوا الذّبح فإن كان الأكثر هم التّجّار والأغنياء والذين لا يمكن أن يتولّوا الذّبح فلا عبرة بالأكثرية هنا، لأننا نعتبر الأكثر فيما إذا كان الإحتمال واردا أن يكون الذّابح هو الأكثر أو لا، وإذا كنّا نعلم أن الأكثر هم الكبار والأغنياء الذين لا يمكن أن يتولّوا الذّبح سقط ترجيح الأكثريّة حينئذ، ويبقى الآن أنّه فيه صعوبة جدًّا إذا سقطت الأكثرية أو إذا سقط التّرجيح بالأكثر سيبقى الأمر مشكلًا تمامًا، فنقول في هذه الحال اتركوا لا تأكلوا، طيب لكن أنا أخبركم بالنّسبة للبلاد السّعوديّة أنه جرى مناقشة هذا الأمر في هيئة كبار العلماء، ودعوا وكلاء الوزارة مرّة أو مرّتين يسألونهم كيف ترد إلينا هذه الذّبائح؟ فقالوا إنّ هناك أناسًا موكّلين بالإشراف وأنه لا يمكن أن يرد إلى المملكة إلاّ ما أشرف على ذبحه وأنّه بطريق شرعيّ ونحن في ذمّة غيرنا، لكن من أراد أن يسلك الورع فهذا شيء آخر بشرط أن يكون للورع محلّ، أمّا إذا كان الورع من باب التّنطّع فإنّه ليس بورع.
فإن قال قائل وهو أيضًا يورد الكتابيّون في الوقت الحاضر ملاحدة لا يؤمنون إيمان عيسى ولا إيمان بموسى، قلنا ولو كان الأمر كذلك ما داموا ينتسبون لليهوديّة أو النّصرانيّة فإنهم وإن كانوا مشركين ذبائحهم حلال، والدّليل أنّ الله تعالى قال في سورة المائدة: (( وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم )) وقال في نفس السّورة: (( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة )) فكفّرهم عزّ وجلّ مع أنّه حكم بحلّ ذبائحهم لأنهم ينتسبون إلى هذا الدّين، ثمّ نقول أيضًا مجرّد ما يبقون على دينهم بعد بعثة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كانوا كفّارًا بمجرّد أن يأبون دخول الدّين الإسلامي، فالمسألة ليست مسألة كفر وإيمان هم وإن طبّقوا اليهوديّة والنّصرانيّة مائة بالمائة فهم كفّار بعد بعثة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، والمسألة ليست مسألة كافر أو مؤمن، بل المسألة أنه منتسب لأهل الكتاب إذا انتسب لأهل الكتاب حلّت ذبيحته وإن كان ملحدًا في دينه.
طيب من فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يضيّق على نفسه في الأمور التي أطلقها الله ورسوله، لأنّ التّضييق على النّفس يوجب الحرج والمشقّة سواء كان ذلك في تبيان الحكم أو في العمل، فإن الإنسان إذا شقّ على نفسه شقّ الله عليه كما يروى عن النّبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم ) سواء كان ذلك في الحكم أو في التّطبيق، فمثلًا في التّطبيق بعض النّاس يتشدّد في الطهارة أو في أقوال الصّلاة أو في أفعالها، نعم يتشدّد فيشدّد الله عليه فبدل أن يغسل يديه ثلاث مرّات يغسلها ستّ مرات لأنّه شدّد على نفسه، أو في العمل تجده مثلًا في العمل يريد أن يقرأ القرآن، يقرأ القرآن بالتجويد كما زعم، فتجده عند خروج الحاء يخرجها حتى يكرّها كرّا في حلقومه وربّما تأخذه السّعلة من أجل هذا، عند القلقلة يقلقل حتى كأنما قلقل رجليه من الأرض وهكذا أيضًا في بقيّة القواعد التّجويدية فيتنطّع ويزيد على المشروع فإذا شدّد شدّد الله عليه، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه في وصف أصحاب النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: " إنّهم أقلّ النّاس تكلّفًا " ما عندهم كلافة لا في العمل ولا في التّطبيق، كذلك إذا شدّد الإنسان شدّد الله عليه في الحكم أيضًا، يشدّد الله عليه بمعنى أنّه قد يوجب على نفسه ما لم يوجبه الله عليه إذا كان قد انتهى زمن التشريع، وقد يوجب الله عليه ما لم يجب إذا كان في زمن التّشريع، ولهذا امتنع النّبي عليه الصّلاة والسّلام من الصّلاة في رمضان، صلاة تطوّع وقال: ( إنّي خشيت أن تفرض عليكم ) يعني: أن تلتزموا بها فتفرض عليكم، ولمّا أمر موسى عليه الصّلاة والسّلام قومه أن يذبحوا بقرة ما رأيكم لو أخذوا أيّ بقرة وذبحوها يجزئ وإلاّ ما يجزئ؟ يجزئ، ولو فعلوا هذا سهل عليهم الأمر ولكن قالوا: (( ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي )) وش هذه البقرة؟ وش عملها؟ وش سنّها؟ وش لونها؟ قال في الجواب الأول؟
الطالب : (( لا فارض ولا بكر )).
الشيخ : (( لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون )). لكن ما فعلوا جاء السؤال عن إيش؟
الطالب : اللون.
الشيخ : عن اللون، ما لونها؟ (( قال إنّها بقرة صفراء )) ما هي صفراء فقط (( فاقع لونها )) كالذّهب (( تسرّ النّاظرين )) ثلاثة أوصاف: صفرة، فقوع اللون، سرور الناظر هذا فيه تشديد ما انتهوا، وفي هذه الآية ما قال افعلوا ما تؤمرون لأنّ الذين عتوا في الأول سيعتون في الثاني (( قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا )) إيش تشابه عليكم؟ واضح لكن بنو إسرائيل أفهامهم حجر (( إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون )) ما جزموا، (( قال إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها )) لا شية لا عيب فيها، ثمّ صاروا هم الحكّام وليس موسى هو الحاكم (( قالوا الآن جئت بالحقّ )) هم الذين حكموا بأنّ هذا هو الحقّ (( فذبحوها وما كادوا يفعلون )) نسأل الله العفو، فالمهم أنّ الإنسان إذا شدّد على نفسه فإنه يشدّد عليه، مثلًا ظنّ في طرف ثوبه نجاسة، ظنّ احتار قال أغسله أريد أحتاط فرشّش الماء اغسل ما حوله قال الغسلة الثانية ما تطهّر فرشّ مساحة أكبر، ثمّ يمكن يغسل الثوب كلّه عشان هذا، لأنّه شدّد على نفسه فإذا شدّد على نفسه شدّد الله عليه، وهكذا أيضًا في طريق الموسوسين أشياء غريبة، لكن لو أنّ الإنسان قطع هذا الأمر وأخذ بالأيسر سهّل الله أمره، فهذا الحديث أصل في أنّ الإنسان ينبغي أن لا يشدّد على نفسه ولا يبحث عن فعل غيره ما دام الفعل قد وقع من أهله فهو سليم صحيح، نعم.