تتمة فوائد حديث :( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه ... ). حفظ
الشيخ : أليس هكذا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، إذن الفوائد، من فوائد هذا الحديث: أنّه لا بدّ في الذّبيحة من إنهار الدّم لقوله: ( ما أنهر الدّم ) ولكن هل هو من أيّ موضع؟ لا، لأنّ إنهار الدّم إلاّ من موضع واحد وهو الرّقبة لأنّها مجمع العروق، ويكون إنهار الدّم بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا حصل إنهار الدّم حلّت الذّبيحة وإن لم يقطع الحلقوم المريء، وهذا هو القول الراجح، والمسألة فيها أقوال متعدّدة تبلغ إلى ستة أقوال، ولكن كلّها ليس عليها دليل واضح إلاّ هذا القول أنّ الواجب هو قطع الودجين لأنّ بهما إنهار الدّم، لكن الأكمل أن يقطع الأجزاء الأربعة وهما الودجان والحلقوم والمريء، الحلقوم مجرى النّفس، والمريء مجرى الطعام والشّراب.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا تحلّ الذّبيحة إلاّ إذا ذكر اسم الله عليها لقوله: ( وذكر اسم الله عليه ) لأنّ ذكر اسم الله عليه هذه معطوفة على الشرط، والمعطوف على الشّرط يكون شرطًا مثله، والجواب قوله: ( فكُل ) واختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من يقول: إنّ التّسمية سنّة وليست بواجبة، فإذا ذبح وسمّى فهو أكمل وإذا ذبح ولم يسمّ فالذّبيحة حلال ولو كان عمدًا، ومنهم من قال: إنّها واجبة ولكنّها تسقط بالسّهو والجهل لقول الله تعالى: (( ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) وقوله: (( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم ))، ومنهم من يقول: إنّها لا تحلّ لأنّ التّسمية شرط ولا تحلّ الذّبيحة بدونها سواء تركها سهوًا أو جهلًا وهذا القول أصحّ الأقوال وأشدّها انطباقًا على القواعد، وذلك لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اشترط لحلّ الأكل شرطين: الأول: التّسمية، والثاني؟ الأوّل: إنهار الدّم، والثاني: التّسمية فإذا كان اختلاف الشّرط الأوّل وهو إنهار الدّم موجب لتحريم الذّبيحة فكذلك إذا اختل الشّرط الثاني ولا فرق، أرأيت لو أنّ إنسانًا نسي وذبح الذّبيحة من خلف العنق وماتت الذّبيحة صار الدّم يخرج منها حتى نفذ الدّم وماتت لكنه ناسٍ أتحلّ الذّبيحة أو لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا تحلّ، وكذلك لو كان جاهلًا فذبحها من على الرّقبة حتى نضب الدّم وماتت فإنّها لا تحلّ، إذن مالنا نقول إذا نفس التّسمية حلّت وإذا جهل وجوبها حلّت مع أنّ كلا الأمرين في شرط واحد؟ لا وجه لذلك، وأما قوله تعالى: (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) فنقول نعم لا يؤاخذ الإنسان إذا ذبح بدون تسمية جاهلًا أو ناسيًا، وليس الشّأن بالذّبح الآن نحن ما نتكلّم عن الذّبح، الذّبح إذا كان ناسيًا أو جاهلًا فإنه لا يأثم به بلا شكّ الكلام على الأكل، هذا الذي يأكلها عالمًا ذاكرًا غير مكره قد تعمّد المعصية لقول الله تعالى: (( ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه )) ولهذا لو أنّ الإنسان أكل من هذه الذّبيحة التي لم يسمّ عليها جهلًا أو نسيانًا فلا شيء عليه، لأنّ هناك فرقًا بين الذّبح الذي هو فعل الذّابح وبين الأكل الذي هو فعل الآكل، فهما حكمان مفترقان، فالذّبح إذا تعمّد الإنسان ترك التّسمية فإنها لا تحلّ ولا إشكال، لو نسي أو جهل فإنه ليس عليه إثم لأنه ناس أو جاهل لكن يبقى الآكل إذا أراد أن يأكل، قيل له: هذه الذّبيحة لم يسمّ الله عليها إذا أكل فقد تعمّد مخالفة قول الله تعالى: (( ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه )) وإذا تأمّل الإنسان المسألة وجد أنّ هذا هو الصّواب من وجهين، أوّلًا: لظاهر النّصوص، وثانيًا: لأنّه أقرب للقواعد لأنّ الشّرط لا يسقط سهوًا ولا جهلًا، ولذلك لو أنّ الإنسان صلّى بلا وضوء جاهلًا هل تصحّ صلاته؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ولو صلّى بغير وضوء ناسيًا لا تصحّ صلاته، وهكذا شأن الشّروط، يقول بعض الناس: إنه لو قيل بتحريم ما نسي ذكر اسم الله عليه لأدّى ذلك إلى ضياع أموال كثيرة لأنّ النّسيان يقع كثيرًا في النّاس فإذا قلنا هذه البعير التي تساوي عشرة آلاف نسي أن يسمّي الله عليها نقول هي حرام كيف نتلف هذا المال العظيم؟ نقول لأنّه لم يكن مالًا حينئذ، حينما نسي أن يسمّي الله عليه لم يكن مالًا بل صار ميتة ولا إضاعة فيه، ثمّ إنّه فيما لو أراد أن ينحر بعيرًا مرّة أخرى هل ينسى؟
الطالب : لا ينسى.
الشيخ : نعم أبدًا لن ينسى، وأظنّه سوف يذكر اسم الله وهو مقبل على البعير قبل أن يبدأ في النّحر، لأنّه يذكر الحال الأولى وما هذه العلّة إلاّ كتعليل بعضهم قطع يد السارق بأننا لو قطعنا يد السارق لزم إيش؟ أن يكون نصف المجتمع أشلًّا، نقول: هذا خطأ، إذا قطعنا يد السارق امتنع أمّة تريد السّرقة، ومنهم من قال: القصاص أو قتل النّفس بالنّفس يؤدّي أيضًا إلى كثرة الأموات والقتلى نقول هذا غير صحيح لأنّ الله يقول: (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )).
من فوائد هذا الحديث: هذا التّأثير العظيم للتّسمية، إذ لا تحلّ الذّبيحة إلاّ بها ممّا يدلّ على بركة اسم الله عزّ وجلّ وأنه يؤثّر في نتائج الأعمال وثمراتها، وهل هناك شيء يجب ذكر اسم الله عليه؟ الوضوء على قول كثير من العلماء يجب أن يسمّي عند الوضوء، وقاس عليه بعض العلماء الغسل والتيمّم، وكذلك يجب على القول الراجح عند الأكل والشّرب لأنّه إذا لم يسمّ الله عند أكله وشربه شاركه الشّيطان في ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأمر يستعمل بمعنى الإباحة، وذلك فيما إذا كان الحظر متوهّمًا فإن الأمر يكون للإباحة لقوله: ( فكُل ) لأنّ معنى ( فكُل ) فقد أبح لك الأكل وليس المعنى أن الإنسان يلزم بأن يأكل أو يندب له أن يأكل من الذّبيحة ولكن المعنى أنّه رفع عنه المنع.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ التّذكية بالعظم والسّنّ غير صحيحة ولو كان جاهلًا؟ نعم ولو كان جاهلًا، فلو أنّ الإنسان ذبح أرنبًا بعظم حادّ وأنهر الدّم فإنها لا تحلّ لماذا؟ لأنّ الآلة غير شرعية مستثناة، ( ليس السّنَّ والظّفر ) فإن قال قائل: لو ذبح بسكيّن مغصوبة فاستعمال السّكّين الآن محرّم لأنها لغيره ولا يحل للإنسان أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه فهل تحلّ الذّبيحة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم تحلّ، وذلك لأنّ السّكّين في حدّ ذاتها آلة ذبح، وإنما يحرم الذّبح بها لأنها إيش؟ ملك الغير، ثمّ إنّ استعمال السّكّين في الذّبح ليس منهيًّا عنه لذاته، وإنما المنهي عنه استعمال المغصوب في أيّ وجه من وجوه الانتفاع وعلى هذا فنقول لو ذبح بآلة مغصوبة فعمله محرّم والذّبيحة حلال.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ الذّكاة لا تصحّ بالظّفر لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( ليس السّنَّ والظّفر ) لكن هل المراد ظفر الإنسان أو أيّ ظفر يكون؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟ فيه خلاف بعض العلماء يقول: المراد بذلك ظفر الإنسان، ومنهم من يقول: أيّ ظفر يكون؟ والأمر محتمل أن يكون أيّ ظفر يكون ويحتمل أن يكون ظفر الإنسان، وهذا يرجع إلى عادة الحبشة هل يذبحون بالأظفار أي أظفارهم أو بكلّ ظفر حيوان؟ الظاهر الأوّل وأنّ المراد ظفر الآدميّ لأنّ استعمال الظّفر آلة للذّبح يستلزم أن يبقيه الإنسان ولا يقلّمه وهذا خلاف إيش؟ خلاف الفطرة التي فطر الله سبحانه الخلق عليها، فإنّ تقليم الأظفار من الفطرة وإذا كان الإنسان يستعملها للذبح يقول خلّيها تبقى من أجل إذا وجدت حيوانًا وليس معي مدية أن أذيح بالظّفر فيكون في ذلك مخالفة لما تقتضيه الفطرة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يحلّ الذّبح بأي عظم، من أين يؤخذ؟ من عموم العلّة في قوله: ( أما السّن فعظم ) وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ هذه العلّة قاصرة وأنّ العلّة مجموع الأمرين أنّه سنّ وأنّه عظم، وإنما حرّمت الذّكاة في السّنّ الذي هو عظم لأنّ ذلك يشبه افتراس الذّئب والسّباع والإنسان منهيّ عن أن يتشبّه بالسّباع والذّئاب، والذين رجّحوا هذا القول قالوا: لو كان الأمر للعموم لكان النّبي صلى الله عليه وسلم يقول ليس العظم فلا يخص السن، فكونه يختص السّنّ ثم يقول العظم يدلّ على أنّ هذا جزء العلّة وليس هذا هو العلّة كاملة، ولكن القول الثاني في هذه المسألة يقول: إن المراد جميع العظام وأنّ قوله: ( ليس السّنّ والعظم ) إنّما ذكر السّنّ فقط دون بقيّة العظام لأنه هو الذي كان المعهود في التّذكية به، فذكر السّنّ لأنّ هذا هو المعهود أن يذكّى به فلهذا نهى عنه واستثناه، والذين قالوا بالعموم أيضًا علّلوا تعليلًا جيّدًا قالوا: لأنّ العظم إما أن يكون عظم مذكّاة أو عظم ميتة فإن كان عظم مذكّاة لزم أنه عدوان على الجنّ، لأنّ الجنّ جعل النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لهم ضيافة فقال: ( لكم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحمًا ) سبحان الله! العظام التي نرميها بعد أن نأكل لحمها يجدها الجنّ أوفر ما تكون لحمًا مكسوّة باللحم فيأكلونها، فإذا قال قائل: كيف هذا ألسنا نشاهد العظام ونحن نطرحها ثمّ لا نجد عليها لحمًا؟ قلنا له: كن جنيًّا تجد اللحم، نعم لماذا؟ لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم جعلها لحمًا لمن؟ للجنّ أمّا أنت آدميّ وقد أخذت ما ينتفع به منها قبل ذلك، وهذا مما يدل على فضل الإنس على الجنّ، أما الجنّ لا يأكلون إلاّ فضلاتنا، وهذا من أمور الغيب التي يجب على المؤمن أن يصدّق بها، أليس الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أخبر بأنّ الإنسان أكل ولم يسمّ شاركه الشّيطان هل نرى الشّيطان؟ أبدًا لا نراه لكن هذا من أمور الغيب التي يجب علينا أن نصدّق بها ونقول سمعنا وآمنّا ولا نتعرّض لأيّ إيراد يورده الذّهن، أو أن نجيب عن كلّ مورد في هذه الأمور إلاّ بأن نقول هذا خبر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخبره صدق، طيب إذا كان عظم لحم غير مذكّى فإنّه يكون نجسًا، والنّجس لا يليق أن يكون سببًا للذّكاة والتطهير، الذّكاة طهور للحيوان فكيف تكون آلة التّطهير نجسة؟ هذا خلاف الحكمة ولهذا نقول: إذا كانت العظام نجسة فوجه العلّة أنّه لا يليق أن يكون الشّيء النّجس بذاته سببًا لتطهير غيره.
الظّفر كما قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( مُدى الحبشة ) فهل نقول كلّ سكّين للحبشة لا يذبح بها إلاّ الحبشة فإنه لا يجوز التّذكية بها كما قلنا في قوله: ( أمّا السّنّ فعظم )؟ لا، لأنّ هذا بيان للواقع، وقد علمنا فيما سبق أنّ ما كان قيدًا لبيان الواقع فإنه لا مفهوم له، وعلى هذا فلو قدّر أنّ هناك سكاكين لا يستعملها إلاّ الحبشة فهل نقول إنّه يحرم علينا أن نذكّي بها وأنّنا لو ذكّينا بها لكانت الذّكاة حرامًا؟ الجواب: لا.
ثمّ قال وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ..
الطالب : انتهى الوقت.
الشيخ : كيف؟
الطالب : ...
الشيخ : لا إله إلاّ الله أي نعم انتهى، نعم؟
الطالب : شيخ هل يدخل في ذلك ..
الشيخ : إيش؟
الطالب : هل يدخل في ذلك ...
الشيخ : أي نعم يدخل ... بما يباح الذّكاة به لكن بشرط أن تنهر الدّم أما أن تنصعه نصعًا ما يستقيم لكن إذا كان حادًّا وذبح به أجزأ، نعم.