وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ) رواه مسلمٌ. حفظ
الشيخ : وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ ) إن الله كتبه، كتب تأتي بمعنى فرض كما في قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام ))، وقوله تعالى: (( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف ))، وقوله تعالى: (( وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس والعين بالعين )) وقوله تعالى: (( كتب عليكم القصاص في القتلى ))، والأمثلة على هذا كثيرة، فقوله: ( كتب الإحسان ) أي: فرضه وأوجبه، ويحتمل أنّ المعنى: كتبه أي: شرعه، فيشمل الفرض والنّفل يعني بمعنى أنّه يشمل الإحسان الواجب والإحسان المستحبّ، وقوله: ( على كلّ شيء ) قيل: إنّ معنى " على ": " في " أي في كلّ شيء، وليس هذا ببعيد، وإذا جعلنا " على " على ظاهرها وأنها للإستعلاء صار المعنى على فعل كلّ شيء، كلّ شيء يفعله الإنسان في غيره فإنّه مفروض عليه الإحسان، قال: ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ) وهذان مثالان وإلاّ فيكون الإحسان في غير هذا كالجلد والرّبط وما أشبه ذلك، فيحسن الإنسان هذا كما يحسن القتلة والذّبحة ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم ) ففرّق النبي صلى الله عليه وسلّم بين القتل وبين الذّبح، فالقتل فيما لا يجوز أكله، والذّبح فيما يجوز أكله كالبقر والغنم وما أشبهها، وقوله: ( أحسنوا الذّبحة ) هل الإحسان هو بالتّسهيل أي بتسهيل القتل واستعمال أقرب الطّرق إلى القتل في السّهولة ام المراد بالإحسان موافقة الشّرع نعم؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني، المراد هو الثاني ولهذا نرى أنّ الرّجل إذا زنا وهو محصن فرجم بالحجارة نرى أنّ هذا من إحسان القتلة لموافقته للشّرع، مع أنّه لو قتل بالسّيف لكان أسهل.
وقوله: ( القِتلة ) ولم يقل القَتلة والفرق بينهما أنّ فِعلة للهيئة وفَعلة للمرّة، كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفيّة:
" وفَعلة لمرّة كجَلسة *** وفِعلة لهيئة كجِلسة "
وعلى هذا فإذا قلت وثب الرّجل على المعتدي وَثبة الأسد أو وِثبة الأسد؟
الطالب : وِثبة.
الشيخ : وِثبة بالكسر لأنّ المراد الهيئة، أمّا المرّة فهذه تعود إلى نفس الأسد، طيب وعلى هذا فيكون القِتلة بالكسر أي هيئة القتل ( وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة ) يقال فيها مثل ما قيل في قوله: ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) لكنّ هذه فيما يؤكل، وكذلك إذا نحرتم فأحسنوا النحر وإذا رميتم فأحسنوا الرّمي، المهمّ أنّ هذين المثالان ليسا على سبيل الحصر.
ثمّ قال: ( وليحدّ أحدكم شفرته ) اللّام هنا لام الأمر، ولهذا جاءت ساكنة بعد الواو، لأنّ لام الأمر تسكّن إذا وقعت بعد حروف ثلاثة وهي: الواو وثمّ والفاء، قال الله تعالى: (( ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم )) وقال تعالى: (( ثمّ ليقطع ثمّ لينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ ))، وأما لام التّعليل فإنّها مكسورة بكلّ حال وإن وقعت بعد هذه الحروف، وبهذا نعرف غلط من يقرأ قول الله تعالى: (( هذا بلاغ للناس )) ولْينذروا به ولْيعلموا أنّما هو إله واحد، وجه الغلط؟
الطالب : أنه سكن اللام.
الشيخ : أنّه سكّن اللاّم مع وجوب الكسر، وهذا اللّحن هل يغيّر المعنى؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم يغيّر المعنى، ولهذا يجب الفتح على الإمام إذا قرأ هكذا ولْينذروا به ولْيذكّر ويقال: (( ولِينذروا به ولِيذكّر أولو الألباب )) لئلا يختلف المعنى، وقوله: ( شفرته ) الشّفرة قيل إنّها السّكّين العظيمة الكبيرة، والأظهر أنّ مراد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في هذا مطلق السّكاكين يعني سكّينة، وقوله: ( شفرته ) أي: الشّفرة التي يذبح بها سواء أكانت ملكًا له أم ملكًا لغيره، يعني الإنسان قد يستعير السّكّين ويذبح بها ولكنّها أضيفت إليه، والإضافة تكون لأدنى ملابسة. ( وليرح ذبيحته ) اللّام هنا لام؟ الأخ؟ قل أنت.
الطالب : لام الأمر.
الشيخ : الدّليل على أنّها لام الأمر؟
الطالب : لأنّه ...
الشيخ : وليرح.
الطالب : نعم وليرح.
الشيخ : وجه الدّلالة؟
الطالب : ...
الشيخ : لا، نحن نريد الاستدلال على أنّها أمر.
الطالب : تسكين اللاّم بعد الواو.
الشيخ : تسكين اللاّم بعد الواو، فإذا قال قائل: ... نقول فيه دليل في الفعل لأنّها لو كانت لام التّعليل لقال وليريح ذبيحته، طيب وقوله: ( ذبيحته ) فعيلة بمعنى مفعولة أي مذبوحته، وهل الجملتان بمعنى واحد ( وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) لأنّ حدّ الشّفرة يريح الذّبيحة أو هما معنيان مختلفان؟ الجواب: الثاني معنيان مختلفان الرّاحة لا شكّ أنّ حدّ الشّفرة مريح للذّبيحة، ولكن المراد بالإراحة ما هو أشمل وأعمّ، وذلك بأن يذبحها بقوّة ونشاط وعزم لا يقيّده عند الذّبح، بل يجذب بقوّة هذا هو الإراحة، السّكّين إذا كانت حادّة لكن الذّابح ضعيف ... خفيف هل تنفعه حدّة الشّفرة؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا، ولهذا قال: ( وليرح ذبيحته ) بحيث يذبح بقوّة ونشاط وسرعة.