وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذكاة الجنين ذكاة أمه ) رواه أحمد وصححه ابن حبان. حفظ
الشيخ : ثمّ قال: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذكاة الجنين ذكاة أمه ).
الذّكاة هي الذّبح أو النّحر وسمّيت ذكاة لأنّها تذكّي المذبوح والمنحور فيكون طيّبًا، ولو مات هذا المذبوح أو المنحور حتف أنفه لكان خبيثًا نجسًا، وقوله: ( الجنين ) الجنين هو الحمل في البطن سمّي بذلك لأنّه مستتر، وهذه المادّة أعني: الجيم والنّون في جميع تصاريفها تدلّ على السّتر، فمنه الجَنّة للبستان كثير الأشجار، ومنه الجُنّة التي يستتر فيها للمقاتل عند القتال، ومنها الجِنَّة وهم الجنّ لأنّهم مستترون عن الأعين، الجنين هو الحمل لأنّه مستتر، ذكاة أمّه يعني بذكاة أمّه، وهنا نسأل أوّلًا عن الجملة هذه هل الخبر ذكاة الجنين أو الخبر ذكاة أمّه؟
الطالب : ذكاة أمّه.
الشيخ : نعم؟
الطالب : ذكاة الجنين ...
الشيخ : ههه ... واحد منكم يقول ذكاة الجنين وذاك يقول ذكاة أمّه! كمّلوا الجملة.
الطالب : ...
الشيخ : ذكاة الجنين مبتدأ، وذكاة أمّه خبر هذا قول، فيه قول ثانٍ: ذكاة أمّه ذكاة الجنين، طيب نشوف هل يختلف المعنى وإلاّ لا؟ إذا قلنا: ذكاة الجنين ذكاة أمّه احتمل أن تكون الجملة هنا جملة تشبيهيّة تشبيهًا بليغًا، ويكون المعنى ذكاة الجنين كذكاة أمّه، كذكاة أمّه عرفتم وإلاّ لا، كما لو قلت: فلان بحر في الكرم يعني معناه هذا التّشبيه حذفت منه أداة التشبيه، فإذا قلنا: فلان بحر صار تشبيهًا بلييغًا، وعلى هذا يكون الحديث يحتمل معنيين، إذا قلنا: ذكاة مبتدأ وذكاة أمّه خبر صار الحديث يحتمل معنيين: المعنى الأوّل: أنّ ذكاة الجنين كذكاة أمّه وإلى هذا ذهب أبو حنيفة والظاهرية وقالوا: إنّ الجنين إذا ذكّيت أمه فخرج ميّتًا ولم يذكَّى صار حرامًا لأنّ مراد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بقوله: ( ذكاة الجنين ذكاة أمّه ) مراده أنّ ذكاة الجنين كذكاة أمّه فهمت؟ ويحتمل أن تكون جملة على غير التشبيه أي أنّ ذكاة الجنين بذكاة أمّه، بذكاة أمّه، ويؤيّد هذا ما جاء في بعض ألفاظه: ( ذكاة الجنين بذكاة أمّه ) أي أنّ الأمّ إذا ذكّيت فذكاتها ذكاة لجنينها لا يحتاج إلى أن يذكّى مرّة أخرى، هذا إذا قلنا إنّ ذكاة الجنين مبتدأ وذكاة أمّه خبر، إذا قلنا بالعكس ذكاة أمّه ذكاة الجنين، ذكاة مبتدأ وذكاة الجنين خبر، صار المعنى أنّ ذكاة الأمّ إيش؟ ذكاة للجنين ولا يحتمل وجهًا آخر، لكنّ هذا التّقدير فيه إعادة الضّمير المتأخّر على سابق فيقال هذا لا يضرّ، لأنّ هذا السابق متقدّم لفظًا ويجوز عود الضّمير على متقدّم لفظًا متأخّر رتبة، نعود إلى التّقدير الأوّل أنّ ذكاة الجنين مبتدأ، وذكاة أمّه خبر، فنقول: من جعل هذا على سبيل التّشبيه فإنّ عليه ملاحظتين: الملاحظة الأولى: إذا قلنا ذكاة الجنين كذكاة أمّه صار الحديث ليس له معنى، لأنّه من المعلوم أنّ كلّ حيّ فإنّ ذكاته ذكاة الحيّ الآخر، واضح؟ يكون الحديث عديم الفائدة كقول القائل: السّماء فوقنا والأرض تحتنا، وهذا لا شكّ أنّه لا فائدة فيه، ثانيًا: إذا أخذناه بظاهره قلنا ذكاة الجنين فهو إذا خرج لم يكن جنينًا.